كنترول الباص

mainThumb

04-06-2025 01:08 AM

هذه المهنة ستذهب مع الزمن.
كان هناك شخص يُدعى "كنترول الباص"، يقف عند الباب، لا يجلس، لا يرتاح. يسألنا من بعيد: "طالع؟ طالع؟"، يشير بيده، يصفّر، يعرفنا قبل أن نركب.

هو من يقول للسائق: "في باص ورانا، اسبقه!"، ويصرخ داخل الباص: "مين بده باقي؟"، وهو من ينبه الركاب: "سكّروا برادي الباص"، حتى لا يرى شرطي السير العدد الزائد.

هو من يتابع محطات النزول، يقول للسائق: "نزل!"، ويراقب الركاب: "اطفِ السيجارة!"، ويطلب من السائق: "هات فراطة خمس ليرات، أنصاص وأرباع".

هو من يدافع عن السائق في أي خلاف، ينسّق الجلوس داخل الحافلة: "لو سمحت، خلّي الصبية تقعد"، أو "قوم نقعد الختيار محلك".

في المجمعات، صوته يملأ المكان: "إربد، الزرقاء، عجلون!"، يقف بشغف، يحلم بأن يكون سائقًا يومًا ما.
مهنة علمته الحساب، علمته الشارع، ولم تحتج إلى شهادة، بل إلى شطارة.

لكن، لماذا أُلغيت؟
كانت فرصة عمل لكثير من الشباب في العطل المدرسية، عمل بسيط بدخل محدود، لا يشكل عبئًا على الدولة، ولا يزاحم الوظائف الرسمية، فقط "رايح جاي" على الطرقات.

الآن، تذهب هذه المهنة بصمت، كما ذهبت أشياء كثيرة قبلها.
رغم أننا لا نملك الدفع الإلكتروني في حافلاتنا، ولا لدينا قطارات سريعة أو بنية تحتية متطورة، إلا أننا قررنا إلغاء "الكنترول" بحجة الحداثة.

فهل هذا هو مقياس التطور؟
هل أصبحت هذه المهنة تشوّه المشهد الحضاري؟
وإذا زالت، ما الذي سيتلاشى بعدها؟ بياع الغاز؟ موزع المياه؟ الجابي؟ البائع المتجول؟

سجّلوا في ذاكرة الزمن:
كانت هناك مهنة تُدعى "كنترول باص"، كما كانت هناك سيارات أجرة قديمة، واستُبدلت بتطبيقات حديثة، كما استُبدلت سيارات البنزين بالكهرباء.

التغيير قادم، نعم.
لكن هناك أشياء لم تتغير: الطرقات كما هي، أزمات السير تتفاقم، والدوارات تزداد، وكل هذا لم يُدرس كما دُرِس قرار إلغاء الكنترول.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد