فسيولوجية الحاكم والمحكوم

mainThumb

22-07-2025 01:46 PM

علم الفسيولوجيا يختص بدراسة طبيعة عمل الأعضاء لأداء وظيفتها بشكل طبيعي، ودائما هناك علاقة ترابط بين الأعضاء المختلفة ليعمل الجسم بالكامل بشكل سليم، من خلال التواصل الكيميائي والكهربائي، والتغذية الراجعة، والمستقبلات والسيالات، والمحفزات والمثبطات، ورد الفعل المنعكس.
وفي هذا المقال أتناول فيه طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم كمثل أعضاء الجسم، حيث ترتبط ببعضها من خلال مستقبلات وسيالات ومحفزات ومثبطات ورد فعل منعكس، تحكمها العدالة الإلهية.
حين يصلح الناس يقيم الله فيهم صالحا منهم يحكمهم، وحين يفسدون يكلهم الله إلى فاسد منهم يحكمهم، وفي ذلك درجات من قربهم وبعدهم عن الصلاح أو الفساد.
فحين تنتشر العدالة والصلاح في المجتمع، يقيمها الفرد والأسرة والقبيلة والمؤسسات المختلفة بمستوياتها المختلفة، تربية وتنشئة وقولا وعملا، يكون نظام الحكم بمستوى ذلك الصلاح وتلك العدالة، وتكون التغذية الراجعة بين الطرفين وردود الفعل المنعكسة من يحكم العلاقة بينهما، وإن وجد بعض الظلم والفساد في المجتمع وكان الصلاح والعدل هو الغالب، فإن السلطان القائم بالصلاح والعدل يسوس الأمة به، ويفرض القانون ويقيم العدل والصلاح، ويمنع الظلم والفساد بالأخذ على يد الظالمين والفاسدين.
وحين ينتشر الظلم والفساد في المجتمع، يمارسه الفرد والأسرة والقبيلة والمؤسسات المختلفة بمستوياتها المختلفة، تربية وتنشئة وقولا وعملا، يكون نظام الحكم بمستوى ذلك الظلم والفساد، فتصبح التغذية الراجعة بين الطرفين وردود الفعل المنعكسة من يحكم العلاقة بينهما، فينتشر الظلم والفساد في الأرض، فيحارب أهل الصلاح ويمنع الإصلاح، فيتسلط سلطان الظلم والفساد.
حين صلح الناس في عهد النبوة وبعدها بقليل، أقام الله الخلافة الراشدة بالعدل والصلاح بين الناس، ولكن حين بدأ الفساد والظلم ينتشر، فحوصرت عاصمة الخلافة بالغوغاء، وقُتل الخليفة عثمان رضي الله عنه مظلوما، ثم انقسمت الأمة من بعده، وانتشرت الفتن، وظهر الفساد والظلم، وقُتل الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأصبح لا يصلح لهذا الظلم والفساد حكم راشدي، كان من العدالة أن ينتقل الحكم إلى حكم وراثي أقل عدالة وصلاحا من سابقه، وكلما ازداد الظلم والفساد انتشارا بين الرعية، كلما أصبح السلطان أكثر ظلما وفسادا.
فلا يتهم السلطان بالظلم والفساد إلا بالقدر الذي تتهم بها رعيته، ولا تتهم الرعية بالظلم والفساد إلا بالقدر الذي يتهم به سلطانها، فمن زرع شوكا لا يحصد إلا شوكا، ومن بذل مالا رديئا لا يحصل إلا على بضاعة مثلها.
ولا يقاس بحكم عمر بن عبد العزيز فإنه كان قصيرا جدا، غلبه الظلم فأنهاه، ويكأنه فتنة للناس، فيكون أكثر ألما أن يحل الصلاح والعدل لمدة قصيرة ثم يرحل بسرعة، ثم إن لله حكمة عظيمة في تسلم عمر الخلافة لإنصاف أهل سمرقند، ومن ثم دخولهم الإسلام عن رضا لتكون سمرقند مدينة عظيمة من مدن الإسلام على مدى قرون من الزمان.
فكيف لأمة أو مجتمع يمارس الظلم بينه ويفسد في الأرض، بأكل حقوق الآخرين، وغلبة القوي، وسحق الضعيف، وممارسة كل أنواع الظلم والفساد، كيف يكون له أن يطلب السلطان العادل الصالح؟
وإن صاحب مقولة يزع الله بالسلطان ما لا يزع بالقرآن (عثمان رضي الله عنه)، لم يسلط سيف السلطان مخافة الظلم، فقتله الظلمة، فسيف السلطان موكول بيد الرعية، فبطانة السلطان وحاشيته ووزرائه وولاته كبارا وصغارا وجنده وشرطته وعماله وجباته من الرعية، بهم يحكم، فهم أداته إما عدلا وصلاحا وإما ظلما وفسادا.
ما الحل؟ هل يمكن صلاح رعية بسلطان فاسد؟ أو صلاح حاكم برعية فاسدة؟ فحين فسدت الرعية في عهد الخلافة الراشدة، لم يستطع الصحابة ولا المبشرين بالجنة العدول الثقات إصلاح الرعية، حتى جاء من هو أقل صلاحا وعدلا فضبطهم، وحين ازداد الظلم والفساد جاءهم من ضبطهم بسيف الظلم والجبروت (الحجاج).
ولا يظن صاحب سلطان إن اختيار الله له إلا لما يعلم منه، فإنه ابتلاء في الدنيا وهلاك في الآخرة إلا من أدى حقها، فاختيار الله لمعاوية رضي الله عنه سلطانا دون الحسن بن علي رضي الله عنه إنما هو ابتلاء لرعية انتشر فيها الفساد وعم الظلم، وأن صاحب الابتلاء بمثل هذه الرعية هو لشخص معاوية وليس لأهل بيت نبيه الكرام.
فكل رعية مبتلاة بسلطانها، وكل سلطان مبتلا برعيته، فهم معذبون بدنياهم، أفسدها عليهم، وحسابهم في الآخرة على الله، وهو معذب بآخرته، أفسدتها عليه رعيته.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد