تتأبّطُ دهشتَها

mainThumb

24-07-2025 12:56 AM

5000 لكلب ضائع

خرجتْ دجاجاتُنا من أقنانِها كعادتها،
تُقوقئُ، وتُنقّنقُ، وتُنذرُ بأنّ يومًا جديدًا قد بدأ،
دون أن تستشيرَ أحدًا في شروق الشمس.
جاءت أمّي تمشي من خلف السدرة،
تتأبّطُ دهشتَها بصمتٍ،
وفي يدها إبريق شايٍ صدِئ،
وفي العينِ سؤالٌ كبيرٌ لم يُصبّ عليه سكّر.
ناولَتني قصاصةَ ورقٍ مجعلكةٍ، وقالت:
"اقرأ، يا ولدي، علّك تفهم ما لا أفهم!"
قرأتُ ببطءٍ الريف، لا بسرعة المدينة:
(مكافأة ٥ آلاف دينار لمن يجد كلبنا العزيز “تشارلي”)
تحت الإعلان صورةٌ لكلبٍ يبتسمُ بثقةٍ لا يملكها مدير مدرستنا،
حول عنقه طوقٌ يلمعُ كالذهب،
ويبدو من ملامحه أنّه قد سافرَ أكثرَ ممّا سافرَ أبي.
ارتبكتُ.
أمي جلست على حجرٍ،
هزّت رأسها، وقالت:
"منذ زمنٍ لم يُعرضْ هذا المبلغ حتى لمن يعثر على عقلٍ ضائع!"
ثم ضحكتْ... ضحكةً حادةً، كأنها تقصُّ الهواء بمقصٍّ صدئ،
وقالت:
"لو كنتُ أعلم أنّ التيهَ لهُ قيمة،
لأضعتُ نفسي منذ سنين!"
ذهبتُ إلى السوق،
وفي رأسي إعلان الكلب يتقافزُ مثل تيسٍ صغير،
كنتُ أحمل بيضًا، وبعضَ الرغيف،
وأحملُ معي سؤالًا:
كيف تساوت رؤوسُ الخلق حتى صار للكلب رأسٌ أعلى من رؤوسهم؟

في الطريق،
سمعتُ رجلًا يُقسِم:
"لو أنّهم عرضوا نصف هذا المبلغ لمن يجد ابني التائه في فواتير الحياة،
لعاد الولدُ راكضًا!"
ضحك الناسُ، ثم صمتوا،
فالضحك صار عملةً نادرة،
تمامًا كالتعاطفِ مع من لا ينبحُ ولا يرفعُ حاجبَيه عند التصوير.

عدتُ إلى أمّي،
ناولتها الصحيفة، فهزّت رأسها،
وقالت بصوتٍ متهكّمٍ دافئ:
"خُذْ قنّ دجاجِنا هذا، وعلّقْ عليه إعلانًا:
(فُقدت بيضةٌ بلديّ من نوعِ “مُشَقَّق القشرة”،
مَن يجدها فله نصفُ قِطعةِ خبزٍ ومِلْحَةُ ضحكة!)
ثم أضافتْ، وهي تضعُ الغطاءَ على الإبريق:
"لكن لا تكتب رقم الهاتف...
فنحن لا نُجيدُ استقبالَ المكافآت،
ولا التصديقَ بأنّ أحدًا يفتقدُ شيئًا لا يُدرّبُ على الجلوس."



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد