أهلي في السويداء… أهلي في سوريا
لم أكن يوماً طائفياً ولن أكون، ولم أنظر إلى السوريين من خلال طوائفهم أو مذاهبهم في يوم من الأيام. طوال سنوات الثورة، وقفت بوضوح إلى جانب الأكثرية السنية، لا على أساس مذهبي، بل من منطلق إنساني وأخلاقي بحت، لأنهم كانوا الضحية الأولى لآلة القتل، ولأنهم تعرضوا للإبادة والتهجير والتجويع والقصف، في واحدة من أبشع مآسي العصر. كنت ـ وما زلت ـ أؤمن أن الوقوف مع المظلوم هو واجب الضمير، لا بطاقة هوية، وأن الكرامة لا تتجزأ، وأن العدالة لا تفرّق بين طائفة وأخرى.
واليوم، ومن ذات المبدأ، أريد أن أضع النقاط على الحروف ليس دفاعاً عن طائفة أو جماعة أو مذهب، بل دفاعاً عن الحق والحقيقة وعن سوريا بالدرجة الأولى، فما حدث خلال الأيام الماضية في السويداء يجب أن يوضع في إطاره الصحيح بعيداً عن الاستهداف المقصود والتشهير المفضوح والشيطنة الجماعية بطريقة ظالمة وخطيرة، تُعيد إنتاج الكراهية، وتمهد لجولات جديدة من الفتنة وسفك الدم.
ما حصل كان كارثة وطنية بكل المقاييس، لكن بدل أن تسعى وسائل الإعلام إلى فهم ما جرى والبحث عن جذوره القديمة، تحوّلت بسرعة إلى منصات تحريضية، صبّت جام غضبها على أهل السويداء، وحمّلتهم وحدهم مسؤولية ما حدث، وصوّرتهم كجلادين، وتجاهلت أنهم أيضاً ـ وبشكل واسع ـ كانوا أكثر الضحايا والمتضررين بشرياً ومادياً.
في أيام قليلة، انطلقت حملة إعلامية غير مسبوقة تُمارس كل أشكال التعميم والتشويه. تم تجاهل القرى التي أُحرقت، والأحياء التي دُمّرت، والنساء والأطفال الذين هُجّروا من منازلهم، وركّزت الرواية فقط على عمليات اقتحام مضادة قام بها شبان دروز ضد أحياء بدوية. ولأن الحقيقة لا تهم كثيرين، تم تجييش الخطاب العام ليصوّر كل الموحدين كما لو أنهم تابعون لجهة واحدة، مع العلم أن الطائفة الدرزية، بطبيعتها، فيها تعدد فكري واجتماعي وثقافي وسياسي، كما هو الحال في كل مكونات سوريا. لكن في زمن التحريض، لا مكان للتفاصيل ولا للعدالة. التهمة جماعية، والعقوبة جماعية، والتشويه جماعي.
لقد اُستشهد في هذه الأيام الكثير الكثير من الدروز، مدنيين وعزلا، بينهم أطفال وشيوخ ونساء. انتشرت مشاهد الإعدامات الميدانية، وحُوصرت مناطق درزية بالكامل، وحُرقت عشرات القرى وتهجر سكانها بعشرات الألوف، ودُمّرت البيوت، وتقطعت السبل بعائلات فرت وتهجرت تحت القصف والتهديد والتنكيل الجماعي. وأصبح مركز السويداء التجاري وقلب المدينة النابض رماداً. بالمقابل، سقط أيضاً ضحايا من أهلنا الأكارم العشائر. وارتُكبت أعمال انتقامية قاسية في بعض المناطق. وهذا مؤلم ومدان ومرفوض. لا يمكن أن نبرر حرق بيت، أو قتل بريء، أو تهجير عائلة ـ أياً كانت طائفتها. ومن المعيب أن يتهجر سوري على أيدي سوري آخر. المظلومية لا تبرر الظلم، ولا يمكن أن يُبنى العدل على الانتقام من أي طرف وضد أي طرف. أليس من المرعب والمخزي أن يفكر سوري بإبادة أخيه السوري؟ لكن الصور الأخرى للأسف لم تجد طريقها إلى عناوين الأخبار كما يجب، مع العلم أن السويداء وقراها منطقة منكوبة. ولم يكن هذا التحيز الإعلامي مجرد انحياز، بل كان انخراطاً واعياً في الشيطنة، وفي تأجيج خطاب الكراهية، وفي اختزال طائفة كاملة في موقف سياسي أو ديني لفرد أو مجموعة، كأن هناك من ينتظر لحظة الانقضاض لتصفية الحساب.
للأسف، كثيرون اليوم نسوا ـ أو تناسوا ـ أن الموحدين ليسوا غرباء عن وجدان سوريا ولا عن تاريخها. أليس من المخزي أن يُمحى فجأة من الذاكرة أن سلطان باشا الأطرش، قائد الثورة السورية الكبرى عام 1925، كان درزياً؟ وهو الرجل الذي رفض مشروع «الدويلة الدرزية»، ورفع علم الوحدة الوطنية، وخاض معركة تحرير سوريا من الاحتلال الفرنسي.
هل نسي هؤلاء أن عشرات الآلاف من شباب الدروز رفضوا الخدمة العسكرية مع النظام طوال 14 عاماً، وتعرضوا للسجن والاضطهاد والملاحقة؟ هل نسي الناس أن السويداء فتحت بيوت أهلها لعشرات آلاف النازحين من مختلف الطوائف والمناطق؟ هل صار هذا التاريخ بلا قيمة؟ هل تسبب الموحدون بمقتل سوري واحد من الأكثرية على مدى أربعة عشر عاماً؟ هل تلوثت أياديهم بدم السوريين؟ بالطبع لا. حتى عقائدياً، لا يمكن إخراج الموحدين من الفضاء الثقافي الإسلامي، رغم خصوصيتهم العقائدية. ففي مقدمة رسائلهم المقدسة، يذكرون النبي محمد صلى الله عليه وسلم بنفس الطريقة الإسلامية تماماً كـ»أشرف المُرسلين». ويجب ألا ننسى ما قاله عنهم ذات يوم أمير الشعراء أحمد شوقي: «وما كان الدروز قبيل شرٍ وإن أُخذوا بما لم يستحقوا… ولكن ذادةٌ وقراةُ ضيفٍ كينبوع الصفا خشنوا ورقوا… لهم جبلٌ أشم له شعافٌ موارد في السحاب الجون بلقُ… كأن من السموأل فيه شيئاً فكل جهاته شرفٌ»
الرحمة لكل سوري بريء سقط في تلك المصيبة الوطنية من كل الأطراف دون استثناء. الرحمة لجميع السوريين المدنيين الأبرياء الذين وجدوا أنفسهم في قلب نارٍ لا ناقة لهم فيها ولا جمل، فالضحية لا تُقاس بمذهبها، والعدالة لا تُجزأ، ويجب أن تأخذ مجراها.
ففي المحصلة، لم يكن السوريون ـ في هذه الحرب الأخيرة وسابقاتها ـ سوى وقودٍ لمعارك أكبر منهم، ومعظمهم كان مجرد أداة في يد مشاريع لا تمثلهم ولا تعبّر عنهم، بل تستخدمهم ثم ترميهم، كما تُستخدم أعواد الثقاب لإشعال الحرائق ثم تُلقى في الرماد.
نحن جميعاً مجرد حطب في معارك غيرنا. وما يجري اليوم من توريط ليس سوى فصل جديد من لعبة طويلة، تحوّل فيها السوريون ـ كل السوريين ـ إلى محروقات في مشاريع الآخرين. كل طائفة تُستثمر، وكل فئة تُسحب إلى ساحة الحرب، ثم تُترك محترقة. يُطلب منها أن تقتل وتُقتل، ثم تُدان وتُعاقب.
الجميع يُدفعون اليوم إلى خطوط تماس طائفية ومناطقية، ويُستثمر في دمائهم لتُرسم بها خرائط لا علاقة لهم بها. من هنا كان الواجب أن نرفض أن نكون بيادق على رقعة شطرنج لا نعرف من يحركها. من يُشيطن اليوم طائفة، سيُشيطن غداً طائفته. ومن يبرر الحقد الآن، سيكتوي بناره لاحقاً. هذه النار لا تُطفأ بالحقد، بل تُطفأ بالعدالة والصدق والمسؤولية.
أخيراً لا تكن أداة… لا تكن وقوداً. نحن الآن أمام مفترق خطير. إما أن نُبقي أعيننا مفتوحة، ونرفض الانجرار إلى معارك الطوائف والملل والنحل والعشائر، وإما أن نستمر في الدوران داخل نفس الدوامة التي مزقت سوريا. وأنا هنا لا أُدافع عن طائفة، بل عن سوريا المستهدفة بكل مكوناتها. أدافع عن نفسي، عن ضميري، عن سوريا التي أريدها لكل أبنائها، لا لفئة على حساب فئة. وأقول للذين استهوتهم لعبة شيطنة الآخر من كل الأطراف: حين ندخل في لعبة الاصطفافات والشيطنة القاتلة ضد بعضنا البعض، فإننا ـ من حيث لا ندري ـ نخدم الأجندات الخارجية التي تعبث بسوريا وتستخدم الجميع وقوداً لمصالحها ومشاريعها. وحين تدرك أن هناك مخططاً شيطانياً مدروساً، فإن صوت الحكمة والعقل يفرض التنبيه إليه والتحذير منه، لا الوقوع في فخه والانجرار إليه.
لا تكن وقوداً في معركة غيرك. لا تكن أداة في يد من لا يرى فيك سوى وسيلة. لا تكن لساناً لفتنةٍ ستعود لتحرق بيتك. لا منتصر مطلقاً في الصراعات الأهلية، فالقاتل والمقتول قتيل. العدالة لكل الضحايا. الكرامة لكل السوريين. والوطن لكل من يؤمن بأن الدم لا مذهب له، وأن الإنسان لا يُقاس بطائفته، بل بإنسانيته.
كاتب واعلامي سوري
أبو السعود يتولى مهام رئيس الحكومة مؤقتًا
ارتفاع قتلى الاحتلال بخان يونس بعد هجوم القسام
الاحتلال يقتحم قلقيلية وينتشر في شوارعها
أسعار الخضار والفواكة في السوق المركزي .. الأحد
أول تعليق من إسرائيل على اعتراض السفينة حنظلة
شاحنات مساعدات تبدأ بالتوجه من مصر إلى غزة
خارطة تسويات دولية تتشكل عبر المفاوضات
وزير الزراعة يشارك بقمة الغذاء العالمية بأديس أبابا
تأثير الأجواء الحارة يستمر حتى الثلاثاء المقبل
غزة هاشم وقدس الوصاية ستبقى تتصدر الدبلوماسية الأردنية
قوافل إغاثة أردنية جديدة تتجه لغزة .. فيديو
سوريا الجديدة .. مسؤوليات التحول والعبور نحو المستقبل
مجاعة غزة تلقي بظلالها على مهرجان جرش وحضور محدود
التربية تدعو هؤلاء لإجراء المقابلات الشخصية لوظيفة معلم/ـة
مكافحة الأوبئة يعلن عن وظائف شاغرة .. صورة
رئيس وزراء السودان يتعهد بإعمار الخرطوم
توضيح من الأرصاد بشأن حالة الطقس حتى الاثنين
تعديل نظام تدريسي جامعة البلقاء لاحتساب المؤهلات الجديدة
انخفاض أسعار المركبات في الأردن بعد التخفيضات
قرارات مرتقبة من الضمان الاجتماعي
مواعيد انطلاق امتحانات التعليم الإضافي .. رابط
مهم للمواطنين بشأن إغلاق طريق في عجلون
فصل مبرمج للتيار الكهربائي عن هذه المناطق .. أسماء
فصل التيار الكهربائي عن هذه المناطق الثلاثاء