من وحي نتائج التوجيهي

mainThumb

08-08-2025 05:00 PM

نحن الذين لا يظهر اسم قريتهم في تنبّهات الطقس، ولا في خطط التنمية، ولا في نشرات الأخبار، إلا حين تفيض السيول على الأكواخ الطينية أو تذبل الأرض تحت لهيب الجفاف.
نحن الذين نعيش في الزوايا المهملة من أطلس الأردن، نحمل وجوهًا مجبولة بتراب القمح ونظراتٍ لا تنكسر حتى لو انكسرت الأحلام ألف مرة.

نحن لا نعرف كيف نصنع المال من "الترند"، ولا نفهم سرّ الملايين التي تهبط من السماء على راقصين في تطبيقات الهاتف.
نحن نخجل أن نرقص أمام الكاميرا، لا لأن الرقص عيب، بل لأن الحياء عندنا لم يُخصم من التربية.
نحن لا نبيع الأرض لتصير مشاريعَ فارهة في يد مغتربٍ نبت فجأة من صمت الغربة.
نحن لا نتاجر بالعرض، ولا نعدّ أولادنا جسرًا يعبر عليه الطمع.

نحن حين ينجح أحد أبنائنا في التوجيهي، نذبح فرحًا من لحم التعب، ونكتم دموعنا أمام المهنئين، ثم نبدأ حساب السنوات القادمة:
كيف سندفع للجامعة؟ هل نبيع الخروف أم نرهن قطعة أرض؟
كل ذلك لأجل شهادة، نرجو أن تنقذه من المهانة أو تجعله يصرف على نفسه، على الأقل.
نرجو فقط ألّا يعود إلينا ذات يوم، حاملاً شهادة مغبرّة، وطموحًا مكسورًا، وصورة شخصية بحجم البطالة.

نحن نعرف معنى الصبر، لا من كتب التنمية البشرية، بل من صفوف الطابور في مركز القرية الصحي، ومن دفاتر الدَّين في دكان الحيّ.
نعرف كيف تُربّى البنات على أن الصوت العالي عيب، وأن "البنات للبيت"، ثم نراهن يدرسن في الظلّ، ويقدن الحياة بأقل قدر من الضجيج، وأقصى قدر من التحمّل.

نحن البسطاء، نعم، لكن البساطة ليست ضعفًا.
نحن الغرباء في وطن لا ينكرنا، لكنه نسي كيف يعانقنا.
نحن الذين كلما خرجنا إلى المدن، خجلنا من أنفسنا.
لكننا حين نعود إلى بيوتنا، نعلم أن قاماتنا أطول من الشاشات، وأن خبزنا وإن كان يابسًا، لا يُشترى بالذل.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد