الأردن يحصل على دفعة جديدة من الدعم الأوروبي

mainThumb

25-08-2025 10:50 PM

يمثل حصول الأردن على دفعة جديدة من الدعم الأوروبي خطوة مهمة في مسار الإصلاح الاقتصادي الذي تسعى الحكومة إلى تعزيزه خلال السنوات الأخيرة. فهذا الدعم لا يأتي في فراغ، بل يعكس إدراك الاتحاد الأوروبي لخصوصية التحديات التي يواجهها الأردن، سواء على صعيد الضغوط الاقتصادية الداخلية أو نتيجة الأزمات الإقليمية المتلاحقة. فالأردن، كبلد صغير بموارد محدودة، وجد نفسه في قلب العواصف الاقتصادية والسياسية، ومع ذلك واصل بناء شبكة من العلاقات الدولية تتيح له حيزًا أوسع للحركة والاستقرار.

وقد أقرّ مجلس الاتحاد الأوروبي تقديم ما يصل إلى 500 مليون يورو على شكل قروض ميسّرة لمساعدة المملكة في مواجهة الاحتياجات التمويلية وتعزيز استقرارها الاقتصادي، ليصل إجمالي ما سيتلقاه الأردن من خلال آلية "المساعدات الاقتصادية الكلية" إلى نحو مليار يورو بين 2025 و2027. ولا يقتصر الأمر على القروض فقط، بل يشمل أيضًا حزمة أوسع بقيمة 3 مليارات يورو، منها 640 مليون يورو منح مباشرة، و1.4 مليار يورو استثمارات إضافية، وهو ما يعكس التزاماً أوروبياً طويل الأمد بترسيخ الإصلاح وبناء قدرات متينة في الاقتصاد الأردني.

الأرقام الاقتصادية الأردنية تكشف بوضوح حجم التحديات. فقد بلغ الدين العام حوالي 88.7% من الناتج المحلي الإجمالي في 2023، مع تراجع نمو الاقتصاد إلى حدود 2.4–2.6% سنويًا، فيما ظل عجز الحساب الجاري مزمناً عند 6.5% من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات الخمس الماضية. هذه الأرقام تُظهر أن الدعم الخارجي ليس ترفاً، بل ضرورة حيوية لإيجاد "مساحة مالية" تسمح باستمرار الإصلاحات.

هذا الدعم يُترجم في صور متعددة: مالية عبر القروض والمنح، ومؤسسية عبر تعزيز القدرات، وتقنية عبر تبادل الخبرات. والأهم من قيمة الأموال، هو رسالة الثقة التي يبعثها الاتحاد الأوروبي للأردن باعتباره شريكًا موثوقًا في منطقة مضطربة. فحين تقدم بروكسل دعماً إضافياً، فهي تراهن على نجاح الأردن في تنفيذ برامجه الإصلاحية، وعلى قدرته في الحفاظ على استقراره المالي والنقدي.

الإصلاحات التي يركز عليها الدعم الأوروبي تتوزع بين تحسين إدارة المالية العامة، تحديث الإدارة الضريبية، تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، إصلاح سوق العمل، وتطوير بيئة الأعمال، إلى جانب الاستثمار في التكنولوجيا والطاقة المتجددة والاقتصاد الأخضر. هذه الإصلاحات ليست مجرد توصيات خارجية، بل هي حاجة أردنية داخلية لضمان الاستقرار الاجتماعي، خاصة وأن الشباب يشكلون غالبية المجتمع، وينتظرون فرص عمل جديدة في بيئة اقتصادية أكثر انفتاحًا.

ومن المشاريع التي يدعمها الاتحاد مبادرات كبرى مثل "منصة الاستثمار الأردني الأوروبية"، وصندوق الجوار الدولي، بالإضافة إلى مشاريع استراتيجية قابلة للتوسع مثل محطة تحلية المياه بين عمّان والعقبة، التي ستسهم في تعزيز الأمن المائي للبلاد. هذه المشاريع لا توفر حلولاً آنية فقط، بل تضع أسساً لبنية تحتية قادرة على مواجهة تحديات المستقبل.

انعكاسات الدعم تتجاوز الاقتصاد المباشر، إذ تعزز ثقة المستثمرين المحليين والأجانب في استقرار الاقتصاد الأردني. فعندما يرى المستثمر أن الأردن يحظى بدعم دولي ثابت من شركاء كبار مثل الاتحاد الأوروبي، يزداد اطمئنانه لاستقرار بيئة الاستثمار، ما قد ينعكس في تدفق أكبر للاستثمارات الأجنبية المباشرة وتحريك عجلة النمو الاقتصادي.

لكن التحدي يكمن في إدارة هذه الموارد بكفاءة وشفافية. الإصلاحات الجادة غالبًا ما تكون صعبة وغير شعبية، إذ تعني ضبط الإنفاق العام، تقليص الهدر، وتحسين أداء المؤسسات الحكومية، وهي خطوات قد تواجه مقاومة. هنا يظهر الدور الحاسم للحكومة في الموازنة بين متطلبات الإصلاح وحاجات المواطن اليومية، بحيث تصل ثمار الدعم إلى المجتمع لا أن تبقى محصورة في النخبة أو المؤسسات.

الاتحاد الأوروبي من جهته لا يقدم دعمه مجانًا، بل يسعى إلى شراكة متوازنة. فالأردن بالنسبة له يمثل خط دفاع استراتيجي في مواجهة اللجوء والإرهاب وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط. وبالتالي فإن دعم الأردن هو أيضًا استثمار في حماية المصالح الأوروبية. هذا التلاقي في المصالح يعزز من قوة العلاقة الثنائية، ويجعلها قائمة على تبادل المنفعة لا على العطاء الأحادي.

في المحصلة، يشكل الدعم الأوروبي رافعة جديدة للأردن في وقت يحتاج فيه الاقتصاد إلى دفعات قوية للأمام. لكنه في النهاية أداة، والرهان الحقيقي يبقى على الإرادة الداخلية الأردنية وقدرة مؤسسات الدولة على استغلال هذه الفرص وتحويلها إلى إنجازات ملموسة. فالأردن اليوم أمام لحظة اختبار حقيقية: إما أن يجعل من هذا الدعم فرصة لانطلاقة جديدة نحو اقتصاد أكثر مرونة وكفاءة، أو يكتفي به كمسكن مؤقت يرحّل الأزمات إلى المستقبل.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد