نتنياهو ونقش سلوان

mainThumb

22-09-2025 10:47 AM

“رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ظهر من دون أدنى حياء وهو يسعى للحصول على نقش سلوان.. لن نعطي ولو حصاة واحدة تعود للقدس، فما بالك بتلك اللوحة المنقوشة”. الكلمات السابقة كانت رداً من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على تصريح نتنياهو بأن تركيا تحتفظ بنقش أثري يؤكد صلة اليهود بالقدس ولكن ترفض تسليمه لإسرائيل.
نقش سلوان هو نقش حجري أثري يعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد، إذ في تلك الحقبة تعرضت القدس لحصار الآشوريين، الأمر الذي صعّب الوصول إلى نبع عين سلوان خارج الأسوار، الذي كان يزود المدينة بالماء.
إزاء هذه المشكلة، قام حزيقا الذي كان يحكم مملكة يهوذا بحفر نفق يصل القدس بعين سلوان لتوفير المياه، وفي عام 1880م عندما كانت القدس تحت الحكم العثماني، عُثر على النفق وعلى مدخله حجر نقش عليه بالكتابة العبرية القديمة ستة أسطر فقط تتضمن الحديث عن بعض تفاصيل المشروع، في ما يبدو أن العمال هم من كتبوها، فنقل إلى إسطنبول، وأدرج في سجلات متحفها المعروف.
هناك عدة محاولات إسرائيلية سابقة للحصول على نقش سلوان من تركيا، وليست هذه المرة الأولى، التي يثار فيها الحديث حول الحجر الأثري، فقبل ثلاث سنوات وخلال زيارة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هيرتسوغ إلى تركيا، ادّعت وسائل إعلام إسرائيلية، استندت إلى صحيفة “زمان يسرائيل” بأن تركيا سلمت الرئيس الإسرائيلي خلال زيارته تلك القطعة الأثرية، التي يطلق عليها الإسرائيليون “كتوبت هشيلوح”، وهو ما تم نفيه من قبل الجانب التركي في ذلك الوقت، وثبت بالفعل زيفه.
اهتمام الإسرائيليين الشديد بالحصول على نقش سلوان لا يجري على ما جرت به عادة الدول من البحث عن آثارها في الخارج، والعمل على استردادها، بل يأتي ضمن معركة السرديات التاريخية، التي تحاول دولة الاحتلال من خلالها إثبات الحق اليهودي في فلسطين، فهذا الحجر الأثري بالنسبة لإسرائيل وثيقة ملكية تاريخية مزعومة، يستخدمها الاحتلال لتبرير السيادة الكاملة على القدس. يسعى الاحتلال من خلال محاولة استرداد الأثر، تعزيز الرواية التوراتية في الوعي العالمي، والترويج بأن القدس كانت المركز السياسي والديني لليهود منذ آلاف السنين، وأن الوجود الفلسطيني طارئ. وتبرز قيمة الحجر الأثري للإسرائيليين في أنه يتعلق بحي سلوان، الذي يقع عند سفح المسجد الأقصى، وهذا الحي يعد نقطة اشتعال مركزية في مدينة القدس، بسبب الممارسات التي تقوم بها المنظمات الاستيطانية تجاه الفلسطينيين بطردهم من المنازل، بدعوى التنقيب عن الآثار، ولا شك أن الحصول على نقش سلوان سوف يدعم هذه السياسات كأداة تبريرية.
الاحتلال يستخدم علم الآثار والسرديات التاريخية لإثبات الحق اليهودي بأقدمية السكنى، وهي محاولة بائسة ودلالة إفلاس تاريخي تراثي حقوقي، لأنه مع تلك المحاولات لا يستطيع مواجهة الحقيقة التاريخية الساطعة، التي تقول بأقدمية السكنى للعرب في فلسطين، والتي تسبق الوجود اليهودي الأول فيها بقرون. ولا خلاف في بطلان السند القانوني لدولة الاحتلال في دعوى أحقيتها باسترداد هذا الحجر الأثري، إذ أن هذا الكشف قد تم في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، أي قبل قيام الدولة المزعومة بسبعين سنة تقريبا، فلم يكن هناك كيان يسمى إسرائيل، ولعل هذا هو السبب في عدم لجوء الكيان الإسرائيلي للقانون الدولي. يأتي هذا الحدث في خضم العربدة الإسرائيلية المتفاقمة في فلسطين والمحيط العربي، واسترسال نتنياهو في سياساته الفاشية بلا رادع، لذلك أرجح أن مطالبته بنقش سلوان وإثارته هذه الضجة حول الأثر، موجهة إلى الداخل الإسرائيلي، بهدف تثبيت النزعة الدينية والقومية، بعد اهتزازها جماهيريا، على خلفية أحداث غزة وطوفان الأقصى.
ولكن ما الذي يمكن أن يبذله نتنياهو للحصول على الحجر الأثري، ما هي أوراقه التي يمكن أن يضغط بها على تركيا في هذا الشأن؟
يمتلك نتنياهو أوراق ضغط تقليدية أبرزها دفع الولايات المتحدة الأمريكية للضغط على تركيا لتسليم نقش سلوان، واستخدام اللوبيات وشبكات النفوذ في الإعلام الدولي للحشد، وتكوين رأي عام مؤيد لإسرائيل في استعادة هذا الإرث المزعوم، تحت مظلة معاداة السامية، والاستيلاء على إرث ثقافي من قبل دولة أخرى. لكن لا أعتقد أن تركيا سوف تستجيب لأية ضغوطات لتسليم الحجر الأثري، فعلى الرغم من أن تركيا قد سلمت وزير السياحة المصري خلال زيارته أنقرة بدايات هذا العام أكثر من 150 قطعة أثرية خرجت من مصر بطريقة غير شرعية، وضبطتها السلطات التركية، إلا أن الأمر مختلف مع القطعة الأثرية التي يسعى نتنياهو للحصول عليها، ففي الحالة الأولى القطع الأثرية المضبوطة ملكية خاصة لمصر، أما في الحالة التي بين أيدينا، فالأثر لا تعود ملكيته للدولة المزعومة التي لم تكن قد قامت بعد عندما تم اكتشاف النقش الحجري. لكن من ناحية سياسية، تسليم تركيا نقش سلوان للاحتلال، سيضعف بلا شك شعبية القيادة التركية ويهيج الأحزاب القومية على أردوغان، الذي سوف يُتهم بالتفريط في ما يعتبرونه إرثا عثمانيا، لأن المسالة تتعلق بالسيادة والهوية الوطنية والتاريخ العثماني، إضافة إلى أن تسليم الأثر سوف يضعف موقف القيادة، ويشوه صورتها تجاه القضية الفلسطينية المشتعلة في الوقت الراهن، أكثر من أي وقت مضى، وقطعا إقدام أردوغان على هذه الخطوة لا ينسجم مع الموقف الرسمي للدولة في علاقتها الحالية المتأزمة مع الكيان الإسرائيلي، على خلفية أحداث غزة.
ولا أعتقد أن الضغوط سالفة الذكر سوف تستجيب لها تركيا، خاصة أنها قد نوعت علاقاتها الاقتصادية والأمنية والعسكرية، ولم تعد بشكل حصري مع الولايات المتحدة وأوروبا.

كاتبة أردنية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد