الشجى

mainThumb

11-11-2025 12:00 AM

يمكن للمرء أن يشاطر تلك الفئات استعجالها، ولكنه سيدرك بعد حين، كما هو الشأن بالنسبة لي، أن العجلة والفورية، التي تتحكم في مساحات شاسعة من مشاعرنا، يمكن تقسيمها إلى عدة أجزاء، وبهذا المقتضى، يمكن أن تتقلص رقعة القلق الرابضة في دواخلنا، ونتسدعى بذلك الطمأنينة وراحة البال، والقلق الذي لا يمكن اختزال احتمال وقوعه، خاصة في ظل هذه الظروف التي نمر بها، الأحرى، عوضاً عن أن نقلق ونحزن وننتحب، أن ندرك أن جيشنا العنيد اللجب، الذي قارع الأهوال وهو طرير لم يكتهل، وغرير لم تعجمه حوادث الزمان، ارتبط ارثه في الحق بشكل وثيق بالمفهوم الحديث "للمحاججة الميدانية" التي عرف الأعداء له فضله فيها، والمحاججة التي يلجأ إليها جيشنا في مثل هذه المواضع، هي غامضة بالضرورة، ومتأرجحة، ومراوغة، لأنها تروم افحام المليشياء المأفونة عدوة هذا الشعب، والخافرة لذمته، والمنتهكة لحرمته، والجيش السوداني الذي ذاد عن الحسب الكريم، ونافح عن الحق الهضيم، لن يجازف بطمس فضاء تميزه، وقوة عارضته التي تذعن للعديد من المقتضيات المعيارية المعقدة، هذه المقتضيات هي في الأصل سر كفاءة الجيش وأهليته.
والمليشياء البغيضة التي لا تقدم نفسها إلا من زاوية واحدة، تعلم انتفاضة القوات المسلحة في ميادين الكريهة، وتعرف مقايضتها للجور والأذى، وردها للصاع منها بصاعين، تعرف المليشياء أحلك مظهر لجموح أخلاق القوات المسلحة، وتعدد الخوالج التي تنتابها وهي في ساحات المعركة، إن المليشياء الموسومة بهذه الأنماط من البربرية والوحشية، تتيقن أنها ستكون عرضة للتلاعب من طرف قوي، وأنه سيقضى عليها بشكل عنيف وجامح، وأن هذا المارد سيقصيها عن الفاشر، وبارا، والنهود، ونيالا، وكل بقاع السودان، وأنه سيحفظ نظامه، ويحمي سياجه، وأن نشاطه النضالي لن يقتصر على تغييبها هي وحدها فقط عن المشهد، بل سيمتد ليطول كل من أجج ايقاعات هذا الصراع.
إن مفهوم الدولة الذي تسعى إليه "تأسيس" بكل ثناياه ورهاناته، سيتتداعى بعد أن تندحر مليشياء "آل دقلو" في أكثر من واقعة،" فتأسيس" مجرد لازمة لفلسفة المليشياء التي تنهض على روح الترويض لأهل الغثاثة والهزال،" فتأسيس" التي ما زالت قائمة وخاضعة للتشكل باستمرار، ستتأثر أكثر من غيرها، وبشكل أعمق، بالنصر الباهر الذي ستحققه القوات المسلحة في شتى الميادين، حينها سيظهر تشبثها الراسخ بالغرب بشكل فاضح، وستظهر تناقضاتها الخاصة، التي سوف تتجلى في خطاباتها، وتحليلاتها، وقراراتها العملية، التي سوف تذكرنا في بعض جوانبها، أحزاب قحت وفرقها، وتحالفات القوى المدعمة لها.
إن المرحلة المقبلة تستدعي يقظة نقدية بلا هوادة، ويتعين بلا ريب، القيام بصياغة تركيبية قوية للخطاب الداعم للقوات المسلحة، الذي ينهل من معين الاعتقاد في جسارتها، وعدم قعودها وتخاذلها عن محاربة ومحق العدو المغير على وطنها، خطاب وثيق متماسك، يعالج كل جوانب هذه المشاكل التي نمر بها لأنها متعددة، وذات أبعاد سوسيو-سياسية ودينية وتاريخية، خطاب صلب ومتين يعين مجتمعنا على وأد هذا الشجى والتغلب عليه.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد