جمال عبدالناصر: الحاضر الغائب

mainThumb

28-09-2025 12:35 PM

في الذكرى الـ 55 لرحيله المفجع

في الثامن والعشرين من سبتمبر/أيلول من كل عام تمر الذكرى السنوية لرحيل الزعيم العربي الأبرز والأشهر في القرن العشرين وحتى اليوم: جمال عبدالناصر. وفي هذا العام يكون قد مضى 55 عامًا على رحيله المفجع. ولا يزال، رغم كل تلك العقود على الرحيل، هو الحاضر الغائب، ولا يزال اسمه الكريم يتصدر النقاش في كل حوار بشأن العالم، ولا تزال أغلبية الشارع العربي والمصري بشكل خاص، والأفريقي واللاتيني، ترى به أسطورة لن تتكرر. وعلى الجانب الآخر، يراه أعداؤه الأمريكان والطغمة الحاكمة في الغرب الإمبريالي خطرًا يهدد مصالحهم ولقيطهم الكيان الصهيوني، أداتهم في المنطقة. وعربيًا، للأسف، فإن الأنظمة الناطقة بالعربية المسماة "معتدلة" بالتصنيف الصهيو-أمريكي ترى به خطرًا يهدد وجودها. كيف لا، وسياسته وحدوية لجمع الصف ووحدة الأمة العربية وتوجيهها نحو عدوها الحقيقي: الكيان الصهيوني، وأنه الخطر الذي يهدد الجميع.

وهذا ما نراه اليوم حقيقة واقعة على الأرض في تبجح نتنياهو في هستيريا وهو يبشر قطيعَه ومشغليه خلف البحار بشرق أوسط جديد لا مكان فيه لكل نظام عربي حر مستقل.

وقد بدأ بحرب الإبادة المجنونة على قطاع غزة، عنوان الشرف والكرامة والمقاومة، وتَوَّجَ ذلك النَتِنُ باغتيال قادة المقاومة في غزة ثم جنوب لبنان، ليصل لأبعد الحدود في جريمة "البيجر" واغتيال سماحة السيد حسن نصر الله، سيد شهداء العصر الحديث.

وإسقاط الدولة السورية والعدوان على جمهورية إيران الإسلامية واليمن و سوريا حتى بعد الاحتلال والعبث في مكوناتها وتونس.

ونجد هذا ما حذر منه جمال عبدالناصر في عدة خطابات ولقاءات، وأبرزها كتابه الشهير "فلسفة الثورة" الذي اُعتُبِر دستور مصر الثوري حتى الرحيل المفجع للزعيم جمال عبدالناصر. وبه تحدث الزعيم الخالد عن طفلة فلسطينية لاجئة شاهدها، واستطرد بكتابه: "تذكرت بها ابنتي هدى وهي من جيلها. وما حدث لهذه الطفلة ممكن أن يحدث لابنتي هدى".

لأن هذا الكيان الاستيطاني السرطاني يقف خلفه الغرب والشرق معًا، معترفين بوجوده. فقد تعامل الزعيم الخالد مع هذا الكيان المارق بما يشبه مصارعة الثيران بأقصى درجات الحذر والعمل على عزله سياسيًا. فقد أبعده عن أكثر من 90% من القارة الأفريقية وآسيا، ويكفي أن نذكر مؤتمر باندونج الشهير وكيف استمات الكيان الصهيوني للاشتراك به، وكيف أقنع الزعيم جمال عبدالناصر زعماء الهند والصين ويوغوسلافيا: جواهرلال نهرو، شو إن لاي وتيتو، وفشلت كل محاولات عتاة الصهاينة ديفيد بن غوريون وموشيه شاريث وغيرهم للانضمام للمؤتمر. وكان ذلك العمل نجاحًا ساحقًا للزعيم جمال عبدالناصر.

وبرأيي، هزيمة المشروع القومي التحرري الناصري جاءت من مؤامرات ودسائس صهيو-أمريكية وكيانات عربية وُجدت لتكون حماية للعدو. وها هو الزمن يكشف بعد عقود من رحيل الزعيم جمال عبدالناصر أن هناك نظامًا محافظًا جدًا أرسل للرئيس الأمريكي ليندون جونسون يطالبه بدعم الكيان الصهيوني لضرب مصر وهزيمة جمال عبدالناصر ومشروعه.

كان ذلك الوضع السائد في عهد الزعيم جمال عبدالناصر. لقد كان الشعب العربي بأغلبيته معه، ولكن أغلب الأنظمة كانت في الخندق الصهيو-أمريكي.

ومع مؤامرة النكسة الأليمة لم يستسلم جمال عبدالناصر، بل استقال لِتُعِيدَهُ الأمة العربية في ثورة التاسع والعاشر من حزيران/يونيو، وأعاد بناء الجيش المصري بعد تلك الهزيمة، وخاض حرب الاستنزاف التي هي الأب الروحي للعبور العظيم عام 1973م.

وهذا القائد الفلسطيني المعروف الدكتور بسام أبو شريف في حواره المطول مع عزام التميمي عبر قناة "الحوار" أكد أن أمريكا بتقدمها العلمي والتكنولوجي بذلك الوقت الذي لم يصل إليه غيرها، هي من قام بالعدوان على العرب وعلى رأسهم مصر، يساعدها قطيع من جيش العدو. وجاءت بالجنرال موشيه ديان وأخبرته: "أنت فعلت كل ذلك، تفضل استلم سيناء وغزة والضفة الغربية والجولان".

وبقي الزعيم جمال عبدالناصر لآخر لحظة من عمره يعد لحرب التحرير الشامل. ولو أعدنا عقارب الساعة للخلف نقول إن الفضل لتحرير كل بلاد العرب والقارات الثلاثة يعود للزعيم جمال عبدالناصر مع قادة عظام آخرين، وكان هو الدينامو الذي أشعل الثورات في القارات الثلاثة ضد الاستعمار وأعوانه من الخونة، مما جعله هدفًا لحملات الاستعمار وعملائه: من الحصار الاقتصادي، إلى المؤامرات لاغتياله عشرات المرات، إلى العدوان العسكري كما حدث عام 1956م. وعندما فشل، كان العدوان الغادر في حزيران/يونيو عام 1967م. وما يهمنا هنا أن نؤكد أن كل ما حذر منه جمال عبدالناصر هو واقع نعيشه اليوم للأسف. وهذا الواقع بدايته اجتياح بيروت، أول عاصمة عربية، عام 1982م وصولًا لتبجح نتنياهو بصناعة شرق أوسط جديد، وقبله ردد هذه الأسطوانة المشروخة مجرم قانا شمعون بيريز، وله كتاب بذلك اسمه ("الشرق الأوسط الجديد"). ولكن بيريز كان أكثر ذكاءً من المجرم نتنياهو. وفي هذه العجالة نذكر قولًا مأثورًا للإمام الشافعي رحمه الله في رده على سؤال: "كيف نعرف أهل الحق من أهل الباطل في هذا العصر الذي اختلفت به الموازين والمفاهيم؟". أجاب الإمام: "اتبع سهام العدو تَدُلَّكَ على أهل الحق والصدق".

انظروا من يهاجم الزعيم الخالد جمال عبدالناصر ويعلن عليه الحرب في الإعلام والسينما والمسرح. حرب لم تتوقف إلا لتعود أشد بأسًا. إنهم الصهاينة من العرب والغرب وعلى رأسه أمريكا. رغم كل تلك العقود على رحيله، يُحارَب وكأنه من يحكم "أُمَّ الدنيا" اليوم. والحقيقة أن الحرب على مشروعه، حتى لا يتكرر، أعلنها الأمريكان والصهاينة من العرب وقطعان العدو.

ودعونا ننظر أين تتجه سهام العدو. هذا ديفيد بن غوريون يقول: ("كان لليهود الصهاينة عدوان: فرعون وهتلر، لكن جمال عبدالناصر فاق الطرفين عداوة لليهود الصهاينة، وجاء الموت ليخلصنا منه"). وهذا موشيه ديان يقول عندما سمع بخبر رحيل جمال عبدالناصر: ("إن هذا اليوم هو عيد لكل يهودي في العالم"). ومناحيم بيغن قال: ("وفاة جمال عبدالناصر تعني وفاة عدو مر لإسرائيل"). وغيرهم من قادة العدو الصهيوني أكدوا سعادتهم وشماتتهم برحيله.

رحم الله الزعيم جمال عبدالناصر، الحاضر الغائب، يوم وُلد ويوم استشهد ويوم يبعث حيًا. لقد عاش مناضلًا شريفًا من أجل وطنه وأمته، ورحل وهو يوحد صفوف الأمة نحو عدوها الحقيقي، معلنًا أن دم العربي على العربي حرام، و "ما أُخِذَ بالقوة لا يُستَرَدُّ بغير القوة"



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد