كيف يحافظ الأردن على استقراره المالي

mainThumb

06-10-2025 11:52 PM

يدخل الاقتصاد العالمي عام 2026 في مرحلة من الاضطراب الجيوسياسي وتباطؤ النمو، حيث تتزايد التوترات في الشرق الأوسط، وتتراجع وتيرة التوسع في الاقتصادات الكبرى مثل الولايات المتحدة وأوروبا، فيما ترتفع مستويات الديون والتضخم عالميًا. وفي هذا السياق المليء بالتقلبات، يبرز السؤال: كيف يتمكّن الأردن من حماية استقراره المالي والحفاظ على مسار التحديث الاقتصادي الذي بدأه منذ عام 2022؟

تشير المؤشرات الأخيرة إلى أن الأردن يعتمد على مزيج متوازن من الاستدامة المالية، والانضباط المالي، وتنويع مصادر النمو، بما يجعله أكثر قدرة على الصمود في وجه الأزمات العالمية والإقليمية.

أولاً: الاستقرار المالي والانضباط في إدارة الدين، فرغم التحديات الإقليمية والاقتصادية، حافظ الأردن على استقرار مالي نسبي في السنوات الأخيرة، إذ بلغ العجز في الموازنة العامة للعام 2025 نحو 2.9% من الناتج المحلي الإجمالي، مع توقع تراجعه إلى نحو 2.5% في عام 2026، نتيجة لتحسين كفاءة الإنفاق وزيادة الإيرادات المحلية.
وتتجه السياسة المالية الأردنية إلى إدارة الدين العام بطريقة متحفظة، عبر مزيج من التمويل المحلي والخارجي متوسط وطويل الأجل، مع التركيز على خفض كلفة الاقتراض وتعزيز الثقة في السندات الحكومية. كما تسعى الحكومة إلى إبقاء الدين عند مستويات آمنة تقل عن 90% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2030، وهو هدف يعكس التزامًا جادًا بالاستدامة المالية طويلة المدى.

ثانيًا: تنويع الاقتصاد وتعزيز الإنتاجية، أدرك الأردن أن الحماية الحقيقية للمركز المالي لا تأتي من الإجراءات النقدية والمالية فقط، بل من خلق اقتصاد منتج قادر على توليد دخل مستدام. لذلك تركز المرحلة الثانية من خطة التحديث الاقتصادي (2026–2029) على دعم القطاعات الإنتاجية ذات القيمة المضافة العالية مثل التكنولوجيا، والصناعات الدوائية، والزراعة الذكية، والطاقة المتجددة. وتشير التقديرات إلى أن مساهمة هذه القطاعات مجتمعة في الناتج المحلي ستتجاوز 35% بحلول عام 2030، مقابل نحو 27% في 2025، وهو تحول نوعي في هيكل الاقتصاد الأردني يعزز قدرته على امتصاص الصدمات الخارجية.

ثالثًا: الموازنة العامة كأداة للتوازن الاقتصادي، حيث تركّز موازنة الأردن لعام 2026 على تحقيق التوازن بين النمو والانضباط المالي، من خلال إعادة توجيه الإنفاق نحو المشاريع الرأسمالية المنتجة، وخاصة في مجالات النقل والبنية التحتية والطاقة. وفي الوقت ذاته، تُنفذ الحكومة إصلاحات مستمرة في نظام الإنفاق العام عبر موازنات البرامج والأداء، بحيث تُربط المخصصات المالية بنتائج قابلة للقياس، ما يقلل من الهدر ويرفع كفاءة الخدمات الحكومية.

رابعًا: الشراكة مع القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي، يمثل القطاع الخاص الأردني شريكًا محوريًا في تعزيز النمو المالي والاستقرار الاقتصادي. فقد شهد عام 2025 ارتفاعًا في الاستثمارات المحلية والأجنبية بنسبة 15% مقارنة بالعام السابق، مدفوعًا بتحسين البيئة التشريعية وتسهيل الإجراءات. كما تعمل الحكومة على توسيع برنامج الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP)، الذي يشمل مشاريع حيوية في الطاقة والمياه والنقل، ما يخفف العبء المالي عن الموازنة ويخلق فرصًا جديدة للنمو.

خامسًا: الاستقرار النقدي والسياسات الاحترازية، لعب البنك المركزي الأردني دورًا حاسمًا في حماية الاستقرار المالي، من خلال المحافظة على ثبات سعر صرف الدينار الأردني ودعم الثقة بالقطاع المصرفي. ورغم الضغوط التضخمية العالمية، تمكن البنك المركزي من إبقاء التضخم عند مستويات معتدلة (أقل من 2% في 2025)، عبر مزيج من السياسات النقدية المرنة والرقابة الصارمة على الائتمان، ما حافظ على القوة الشرائية للمواطن واستقرار السوق المالي.

سادسًا: الاحتياطيات والدعم الإقليمي والدولي، فقد استفاد الأردن من احتياطيات نقدية مريحة تتجاوز 21 مليار دولار في منتصف 2025، تغطي ما يزيد عن 9 أشهر من الواردات، وهي من بين أعلى النسب في المنطقة. كما يحظى بدعم دولي وإقليمي مستمر من شركائه الاستراتيجيين، سواء من خلال برامج التمويل الميسر أو مشاريع التنمية، مما يعزز قدرته على مواجهة أي اضطرابات اقتصادية محتملة.

سابعًا: التحول الرقمي والإصلاح المؤسسي كخط دفاع جديد، يُعد التحول الرقمي من أهم الممكنات التي يعتمد عليها الأردن لتعزيز الشفافية والكفاءة المالية. فالتحول إلى الحكومة الإلكترونية ونظام الفوترة الرقمية يرفع الإيرادات الضريبية ويحد من التهرب المالي. كما أن الإصلاح الإداري المصاحب لخطة التحديث السياسي والاقتصادي يسهم في تعزيز كفاءة مؤسسات الدولة وتطوير بيئة الأعمال بما يرفع مستوى الجاذبية الاستثمارية.

رغم التوترات الجيوسياسية وتباطؤ الاقتصاد العالمي، فإن الأردن يدخل عام 2026 بقدرة عالية على الحفاظ على استقراره المالي بفضل سياساته الحكيمة في إدارة الدين، وتنويع مصادر النمو، وتعزيز مرونة الموازنة العامة.
ومع استمرار الإصلاحات، وتوسع دور القطاع الخاص، وتزايد الاستثمارات النوعية، يمضي الأردن بخطى واثقة نحو ترسيخ استدامته المالية وتحقيق نمو إنتاجي متوازن، ليبقى نموذجًا في الصمود الاقتصادي وسط عالم يتغير بسرعة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد