نقل المهارات في المهن التقليدية
في عالم يتسارع فيه التقدم التكنولوجي، تبرز الحاجة إلى الجمع بين الحداثة والتراث في ميدان العمل والإنتاج. فالمجتمعات التي تنجح في الحفاظ على مهاراتها التقليدية، وتوظيف التكنولوجيا الحديثة لتطويرها، تكون أكثر قدرة على تحقيق تنمية مستدامة وشاملة. ومن هذا المنطلق، تأتي أهمية نقل التكنولوجيا والتقنيات الحديثة إلى المهن التقليدية مثل النجارة، والدهان، والبلاط، والحدادة، وغيرها من الحرف التي كانت لعقود تمثل عماد الاقتصاد المحلي في الأردن.
إن إدخال التكنولوجيا إلى هذه المهن لا يعني التخلي عن التراث أو الهوية الحرفية، بل يعني تطوير الأدوات، وتحسين طرق الإنتاج، وزيادة الكفاءة والجودة. فالعامل الذي يمتلك مهارة تقليدية ويستخدم أدوات وتقنيات متطورة يصبح أكثر قدرة على المنافسة في سوق العمل المحلي والعالمي. وفي الوقت نفسه، يسهم هذا الدمج في رفع قيمة هذه المهن في نظر الشباب، الذين غالباً ما ينظرون إليها على أنها وظائف شاقة أو محدودة الأفق.
في الأردن، مثل غيره من الدول النامية، تواجه المهن التقليدية تحديات كبيرة نتيجة التغيرات الاقتصادية والاجتماعية. فالكثير من الشباب يتجهون نحو الوظائف المكتبية أو يسعون إلى فرص خارج البلاد، في حين تعاني قطاعات مثل النجارة والبناء من نقص في الأيدي العاملة المحلية. وهذا الواقع لا يعني ضعف هذه المهن، بل يشير إلى ضرورة تجديد صورتها عبر نقل المعرفة التقنية إليها وجعلها أكثر جاذبية واحترافية.
فعلى سبيل المثال، يمكن إدخال تقنيات التصميم الرقمي إلى مهنة النجارة، بحيث يتمكن الحرفيون من استخدام برامج التصميم ثلاثي الأبعاد لتخطيط الأثاث قبل تنفيذه، مما يقلل من الهدر في المواد ويزيد من دقة العمل. أما في مهنة الدهان، فإن استخدام أدوات الرش الحديثة والدهانات المستدامة يقلل من التلوث ويحسن جودة التشطيب النهائي. وفي مجال البلاط، يمكن للتكنولوجيا أن تسهم في إنتاج مواد أخف وأكثر مقاومة، مع تسهيل عمليات التركيب باستخدام تقنيات الليزر وأدوات القياس الرقمية.
لكن عملية نقل التكنولوجيا لا تقتصر على توفير المعدات الحديثة فقط، بل تتطلب نقلاً معرفياً متكاملاً. فالتكنولوجيا دون تدريب تبقى غير فعالة. وهنا يأتي دور مؤسسات التعليم التقني والمهني، التي يمكنها أن تكون الجسر بين المعرفة النظرية والتطبيق العملي. يجب أن تدمج المناهج التعليمية بين تعلم الحرفة ومهارات التكنولوجيا الحديثة، وأن توفر فرص تدريب عملية بالتعاون مع القطاع الخاص والمصانع المحلية.
كما أن على الحكومة والقطاع الخاص معاً تشجيع الحرفيين على الابتكار. فبدلاً من أن يبقى الحرفي مجرد منفذ، يجب أن يصبح قادراً على تصميم منتجاته الخاصة، وتطوير أساليبه الإنتاجية باستخدام التكنولوجيا. وهذا يتطلب بيئة داعمة تتضمن حوافز مالية وتسهيلات ضريبية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تعمل في مجال تطوير المهن التقليدية.
من الناحية الاقتصادية، إن دمج التكنولوجيا في المهن التقليدية يفتح مجالات جديدة للتصدير والتسويق، خصوصاً في ظل ارتفاع الطلب العالمي على المنتجات التي تمزج بين الأصالة والجودة العالية. فالأثاث الخشبي المصنوع يدوياً باستخدام تقنيات دقيقة أصبح مطلوباً في الأسواق الأوروبية، والمنتجات الخزفية والزخرفية الأردنية يمكن أن تصبح ذات قيمة مضافة إذا تم تطويرها من خلال تقنيات حديثة في التشكيل والتلوين والتغليف.
أما من الناحية الاجتماعية، فإن تعزيز المهن التقليدية بالتكنولوجيا يساهم في الحد من البطالة بين الشباب، ويخلق فرص عمل جديدة توازن بين المهارة اليدوية والفكر الابتكاري. فالشاب الذي يعمل في مهنة النجارة أو البلاط باستخدام أدوات ذكية أو تصميم رقمي سيشعر بالفخر والاعتزاز بمهنته، لأنها لم تعد تُعتبر عملاً متعباً فقط، بل أصبحت عملاً تقنياً متقدماً له مستقبل واضح.
ولتحقيق هذا التحول، لا بد من تبني رؤية وطنية واضحة تهدف إلى توطين التكنولوجيا في المهن اليدوية. يمكن للحكومة، بالتعاون مع الجامعات ومراكز الابتكار، إنشاء حاضنات أعمال متخصصة في تطوير المهن الحرفية. هذه الحاضنات يمكن أن توفر تدريباً عملياً، وتطويراً للأفكار، وتمويلاً أولياً للمشروعات الصغيرة، مما يعزز روح المبادرة بين الشباب.
كما أن الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة ضرورية في هذا السياق. فدول مثل ألمانيا واليابان طورت أنظمة متقدمة للتعليم المهني، تقوم على الشراكة بين المدارس المهنية والمصانع، حيث يتعلم الطلاب المهارة ويطبقونها في بيئة عمل حقيقية. هذا النموذج يمكن أن يكون مرجعاً للأردن لتطوير منظومته المهنية بما يضمن الجودة والاستدامة.
كذلك، يمكن لوسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي أن تلعب دوراً مهماً في تغيير الصورة النمطية عن المهن التقليدية. فالترويج لحرفيين ناجحين، وإظهار قصصهم في الإعلام، سيشجع الشباب على النظر إلى هذه المهن بطريقة إيجابية، ويزرع فيهم القناعة بأن الإبداع لا يقتصر على المكاتب أو التكنولوجيا الرقمية، بل يمكن أن ينبع من العمل اليدوي أيضاً.
في النهاية، إن نقل التكنولوجيا إلى المهن التقليدية ليس ترفاً أو خياراً جانبياً، بل هو ضرورة وطنية واقتصادية تسهم في تحقيق التنمية المستدامة وتوفير فرص عمل منتجة للشباب الأردني. فحين تُدمج المهارة بالمعرفة، ويجتمع التراث بالتقنية، يصبح العمل الحرفي جسراً بين الماضي والمستقبل، ويصبح الشباب شركاء حقيقيين في بناء اقتصاد وطني قائم على الإبداع والإنتاجية.
إن مستقبل المهن في الأردن يعتمد على مدى قدرتنا على الاستثمار في الإنسان، وتزويده بالمعرفة والأدوات التي تجعله قادراً على المنافسة والابتكار. فالشباب الأردني يملك الطموح والذكاء والقدرة على التغيير، وكل ما يحتاجه هو بيئة داعمة وفرص حقيقية تثبت أن العمل الحرفي، حين يتقاطع مع التكنولوجيا، يمكن أن يكون طريقاً للنجاح والازدهار.
يزن النعيمات: النشامى جاهزون لكأس العرب 2025
مصر: نواصل جهودنا لتحقيق الاستقرار في السودان
فيديو زفاف ابنة شمخاني يثير غضب الإيرانيين
أعيان يشاركون باجتماعات البرلماني الدولي في جنيف
Visa — Mastercard تشغل سوريا والسلطات تحذر
ميزة جديدة من ميتا تثير جدلاً حول حماية البيانات
الأمن العام يطلق حملة شتاء آمن
الاحتلال ينتشر بكثافة في مدينة طولكرم
القطامين: منع الحافلات الأردنية يضر بالنقل وحجاج السعودية
كوشنر: دمار غزة يشبه انفجار قنبلة نووية
عقد امتحان مزاولة مهنة علم النفس العيادي والصحة النفسية
هشام جمال وليلى زاهر يكشفان كواليس قصة الحب والزفاف
تفسير حلم الامتحان للعزباء في المنام
دلالة رؤية ورق العنب للعزباء في المنام
النقل البري تتعامل مع 17 ألف راكب يومياً في معان
41 دار نشر أردنية تشارك في معرض النيابة العامة الدولي للكتاب في ليبيا
مأساة قناة الملك عبدالله: صرخة تتكرر بحثاً عن حل جذري
إغلاق طريق كتم وتحويل السير إلى الطريق الرئيسي (إربد – عمّان)
الأردنية: فصل نهائي بانتظار طلبة شاركوا في المشاجرة الجامعية
وزارة الأوقاف تغلق مركز الإمام الألباني للدراسات والأبحاث
وظائف ومدعوون للتعيين .. التفاصيل