إذا ضعت روح عالجامع

mainThumb

07-11-2025 11:57 AM

كانت أمي مجرد امرأةٍ عادية، لكنّ قلبها كان بستانًا من الصبر والرحمة.

قبل أن يزحف الزهايمر إلى ذاكرتها، قالت لي كلماتٍ تبدو بسيطة على سطحها "إذا ضعت روح عالجامع…".

كنت طفلًا حينها، لم أفهم عمق ما تقول، ظننت أنّها تتحدث عن ضياعي في السوق، أو في طريق القرية، مثل كل الأطفال التائهين.

فابتسمت لها براءةً، وغادرتُ وأمي تراقبني بعينيها المليئتين بالحنان.

مرت السنين، وكبرت، وعرفت أنّ ما قصدته أمي أكبر من أي ضياع تافه، أكبر من أي سوق أو شارع ضيق.

كانت تحذّرني من ضياعي في الحياة، من الكبرياء الذي يضلّ الروح، من الغضب الذي يجرّ القلب إلى الظلام، ومن الأيام التي تأخذ الإنسان بعيدًا عن نفسه.

كانت أمي، في تلك اللحظة، تبني لي حوشًا من الحِكمة حول قلبي لتأويني حين أتيه في زحام الدنيا.

كانت كلماتها مثل سنابل القمح التي تتركها الأم في الطريق لتجدها الريح، لتجدها النفس حين تحتاج.

وذات يوم، وأنا أحاول أن أجد نفسي بين الناس، بين الصخب والعمل، تذكرت كلماتها: "إذا ضعت روح عالجامع…" فابتسمت، واتجهت إلى داخلي، إلى المكان الذي علمتني أمي أنّه الأمان الحقيقي.
لم يكن الجامع مجرد مكان للصلاة، بل كان رمزًا للعودة إلى الطهارة، إلى البساطة، إلى الحقيقة التي لا تفنى.

أمي لم تترك لي إرثًا من الذهب، ولا من الأرض، لكنها تركت لي أعمق ما يمكن أن يتركه الإنسان: خارطة الروح، وإيماءة القلب، وطريقة لأجد نفسي حين أتيه.

وعندما ماتت، كانت كلماتها بوصلةً، كانت حوشًا صغيرًا من الطين تحمي قلبي، كانت السنابل التي تحفظ روحي من أن تذبل.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد