جريمة على شاطئ العشاق .. الفصل الثالث عشر

mainThumb

09-11-2025 12:35 AM

حين يعود السر ليقتل
الاعتراف
أغلق المقدم سالم دفتر المذكرات ببطء، كأن كل صفحة فيه تحترق في ذاكرته، ثم رفع عينيه نحو العميد حمد الذي كان يتأمل البعيد بصمت ثقيل.
قال العميد بنبرة حاسمة:
"إذن... هذه المذكرات تقودنا وبصريح العبارة إلى منال. ليس فقط لأنها المستفيدة من موت زوجها، بل لأن خيوط اللعبة كلها تنتهي عندها في سمائل
ثم أضاف وهو يحدّق في وجوههم واحدًا واحدًا:
"ومع ذلك... أشعر أن منال كانت آخر من يتمنى لعبدالعزيز الموت. ليلة زفافها لا يمكن أن تكون ليلة الجريمة، فهل تتخيلون أنها خرجت من عند المزينة بكامل زينتها، لتقتل زوجها ثم تعود تنتظره بشوق؟"
قالت النقيب منى وهي تضرب كفًّا بكفّ:
"قطعًا لا! هناك من أراد أن يحرق قلبها عليه. ومنال، بكبريائها، لا تدري أن القاتل قتلها حين قتل عبدالعزيز."
سكت الجميع، وكان الصمت في الغرفة أثقل من الرصاص.
اتصال لم يُجب عليه
في بيتٍ غارقٍ بالهدوء، جلست الدكتورة هدى إلى مائدة الغداء مع والدتها السيدة صالحة.
وما إن انتهتا حتى نهضت هدى فجأة وكأنها تذكّرت شيئًا:
"آه... نسيت أن أتصل بصديقتي منال!"
تناولت الهاتف، وضغطت رقمها، وجلست تنتظر... لا إجابة.
عاودت الاتصال مرة أخرى. لا شيء.
سألتها والدتها وهي تقطع تفاحة بهدوء:
"بمن تتصلين يا ابنتي؟"
ردّت هدى بقلق ظاهر:
"بصديقتي منال. منذ ثلاثة أيام أحاول التواصل معها وهي لا ترد. لعل المانع خير."
قالت الأم بابتسامة مطمئنة:
"ربما مشغولة... هل هي طبيبة مثلك؟"
ضحكت هدى بخفة وقالت:
"يا أمي، كم مرة أخبرتك؟ منال ليست طبيبة، بل معلمة. ابنة الطبيب المعروف غازي بن محمد. تخيّلي... كانت قبل أيام فقط تستعد لزفافها. لكن موت عبدالعزيز... عزلني عن العالم كله."
ثم نظرت إلى النافذة بنظرة شاردة وقالت بصوت خافت:
"لم أتصور أن أجد جثته في طريقي..."
اقتربت منها والدتها بحنان، وضمتها إلى صدرها قائلة:
"لا تبكي يا حبيبتي. هذا قدره. وما أدراكِ ما الأقدار؟"
تفاحة الأم

مدّت الأم يدها نحو صحن الفاكهة وقطعت تفاحة نصفين، ثم قدّمت الجزء الأكبر لابنتها وهي تبتسم:
"كلي يا هدى... الحياة تمضي، مهما حاول الحزن أن يوقفها."
ابتسمت هدى بخجل، وقالت وهي تمضغ لقمة صغيرة:
"تعرفت على منال في مناسبة طبية. كان والدها أستاذي في الجامعة. تقارب أعمارنا جعلنا صديقتين مقربتين، وكل من يرانا يظن أننا شقيقتان... الشبه بيننا كبير جدًا. لكنها أكثر جرأة مني، وأنا رغم كوني طبيبة... لا أزال تلك الخجولة التي تخاف مواجهة العالم."
وقفت السيدة صالحة وهي تمسح يديها بمنديل صغير:
"سأذهب لأرتاح قليلاً. في المساء سأمرّ على الصيدلية كعادتي الأسبوعية."
قالت هدى معاتبة:
"أمي، أنتِ تُرهقين نفسك. الصيدلية يعمل بها من تثقين فيهم، فلا تقلقي."
ابتسمت الأم وأجابت بصوت متعب:
"يا ابنتي، منذ تقاعدي لم يعد لي إلا هذا العمل، وبه نعيش. والدكِ رحل ولم يترك شيئًا... وأنا لا أريدك أن تكوني يومًا تحت رحمة أحد."

ثم أضافت وهي تمسح على شعر ابنتها:
"احفظي راتبك يا هدى، الأيام لا تؤتمن."

الصندوق القديم

دخلت السيدة صالحة غرفتها وأغلقت الباب خلفها بإحكام.
تقدمت بخطوات بطيئة نحو السرير، ومدّت يدها تحته، لتخرج صندوقًا خشبيًا قديماً غطاه الغبار.
جلست على الأرض، فتحت الصندوق، وأخرجت صورة قديمة تجمعها برجل وسيم يرتدي معطفًا أبيض.

همست وهي تلمس وجهه في الصورة:
"يا إلهي... كأن الزمن يعيد نفسه! تركتني يا غازي وأنا أحمل طفلتك، وهربت لتتزوج بأخرى... والآن التاريخ يعيد نفسه مع ابنتي. لقد تركها عبدالعزيز ليتزوج ابنتك، وهي في الحقيقة أختها!"

توقف صوتها للحظة، ثم أردفت بحرقة:
"لقد سترني الله... وأرسل لي سعيدًا، صحيح أني دفعت له ليستر عليّ من الفضيحة، لكن أمام الناس أصبحت هدى ابنتك، دون أن تعلم الحقيقة أبداً..."

ضحكة المجنونة

نظرت صالحة إلى الصورة، وارتجفت يدها.
وفجأة تمزقت الصورة إلى أربع قطع بين أصابعها وهي تقول بغلٍّ:
"لكن عدالة السماء لا تنام يا غازي... عبدالعزيز مات مقتولًا، وأنت دفنتك الأيام، وابنتك الآن ستُرمى في سمائل لتذوق عذابها، وربما ترافق الشيطان إلى الجحيم!"

ثم انفجرت ضاحكة كالمجنونة:
"ههههههههه... هههههههه... الدنيا تدور يا غازي... تدور!"

وظل صدى ضحكتها يتردد في أرجاء الغرفة، كأنه نذير لليلٍ لا يعرف الفجر

معاني الكلمات:

سمائل: سجن سمائل المركزي، وهو أشهر سجون سلطنة عمان، يقع في محافظة الداخلية بولاية سمائل.
المزينة: صاحبة محل لتزيين النساء والعرائس.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد