جريمة على شاطى العشاق - الفصل الرابع عشر

mainThumb

09-11-2025 12:37 AM

صدى الصرخة واختفاء شفيق

"ثمة صرخات لا يسمعها الجميع… وثمة غياب لا يحدث صدفة.
وبينهما—في المسافة بين صوتٍ تلاشى ورجلٍ رحل—تولد الحقيقة."

دخل النقيب محمد إلى مكتب العميد حمد مسرعًا، وبعد أن ألقى السلام قال:
— "سيدي، لم نجد العامل شفيق عرب. لقد بحثنا عنه في كل مكان… لكنه اختفى تمامًا."

رفع العميد رأسه بدهشة من دخوله المفاجئ، ورد السلام ثم قال بهدوء المشككين:
— "ومن شفيق عرب؟"

أجاب النقيب محمد:
— "سيدي… إنه عامل النظافة الذي كان موجودًا في فيلا عبدالعزيز ليلة مقتله."

قاطعه العميد حمد، وعيناه تلمعان بدهاء المحقق:
— "آه… نعم، الذي قال إنه شاهد منال غازي وهي تدخل الفيلا ويتعرف عليها، بينما لم يتعرف على زوجات عبدالعزيز الأخريات.
الغريب… أن هذا العامل، وهو مقرب من عبدالعزيز ويتردد على الفيلا، لا يعرف باقي زوجاته! على الأقل الفضول يجعله يسأل… ولكن يبدو أنه لم يفعل."

ابتسم العميد بسخرية، وكأنه يقرأ كتابًا مسرحيًا:
— "هل كنّ يدخلن ويخرجن عبر طاقية الإخفاء؟!
العمالة لديهم فضول طبيعي… كيف يجهل هذا بالضبط؟!"

رد النقيب محمد بتردد:
— "ربما… عبدالعزيز كان حريصًا على إخفاء أمر زواجه."

نهض العميد حمد ووضع يديه خلف ظهره، وتوجه نحو النافذة وهو يتأمل الخارج:
— "عبدالعزيز لم يُخف زواجه. الدليل أن آخر زوجاته طلبت طلاق ضرائرها.
وجود زوجاته الثلاث—ولو في أوقات متفاوتة—يثبت معرفتهن. الغريب ليس زواجه… الغريب هو توقيت حضورهن إلى الفيلا. هذا ما يثير الريبة."

ثم التفت للنقيب محمد وسأله بحدة:
— "وماذا عن شفيق؟"

قال النقيب محمد:
— "ذهبت لأستجوبه… لكنه لم يكن على رأس عمله. سألت زملاءه فعلمت أنه سافر قبل يومين. وهو مقرب جدًا من عبدالعزيز… لا تخدعك مسمى ‘عامل نظافة’."

هز العميد رأسه ببطء، وكأنه يربط خيطًا في ذهنه:
— "ممتاز… لكن لماذا انتظر أربعة أيام بعد مقتله قبل أن يسافر؟
لو كان يحمل سرًا… لما أجل رحيله؟"

قال النقيب محمد بحذر:
— "سيدي… هل تعتقد أن هناك قاتلًا آخر؟"

ضحك العميد ضحكة قصيرة، كقطة تترصد فريستها:
— "ومن قال لك إن منال قتلت زوجها؟"

ثم رفع ورقة من مكتبه ووضعها أمام النقيب محمد:
— "انظر هنا… هذه خرائط البيوت والمسافات. العدد يتراوح بين خمسمئة إلى ألف متر."

ارتفعت حواجب النقيب محمد:
— "وماذا يعني هذا؟"

قال العميد، وهو يشير إلى الورقة:
— "خرجت أمس أسأل جيران فيلا عبدالعزيز… حي راقٍ… الجميع يعرف بعضهم البعض.
الجميع قالوا: لم نر أحدًا، ولم نسمع شيئًا… إلا سيدة واحدة، صالحة بنت علي، تبعد عن الفيلا حوالي ألف متر. قالت إنها سمعت صرخة قوية في تلك الليلة، بينما الأطفال يلعبون. سألتها: هل كانت نافذتك مفتوحة؟
أجابت: ‘كلا… لكنها ليست محكمة الإغلاق.’"

اقترب العميد من النقيب محمد وهمس بحدة:
— "فكر يا محمد… كيف تصل صرخة من ألف متر عبر نافذة شبه مغلقة؟! ولم يسمعها أحد غيرها؟"

قفز العميد فجأة من مكانه، وأمر:
— "نقيب رحمة… أريد تقريرًا عن صالحة بنت علي فورًا.
نقيب منى… الليلة ستصل الدكتورة فائزة بنت سعيد، إحدى زوجات عبدالعزيز. أريدها هنا، لا تتركيها تذهب إلى بيتها.
وأيضًا… ألقي القبض على الأستاذة منال بتهمة قتل زوجها!"

اتسعت عينا النقيب محمد دهشة:
— "سيدي! قبل قليل قلت إن منال ليست القاتلة!"

ابتسم العميد ضاحكًا:
— "نعم… لكنها ستكون طُعمًا. القاتل يريد منال في السجن، فليفرح قليلًا.
سنعلن أنها نُقلت إلى سمائل… أما في الحقيقة فستكون ضيفتنا. النقيب منى ستتولى استضافتها.

أما الدكتورة فائزة… فهي لا تعرف شيئًا بعد. صدمتها ستفتح لنا أبوابًا كثيرة. يجب أن نستقبلها نحن… لا أن تعود لمنزل قد يخفي أسرارًا أخرى."

ضرب العميد بيده على الطاولة وقال:
— "هناك من يريد الانتقام من منال فقط!
من هو؟ لماذا اختارت منال؟ ما السر الذي يدفع القاتل لاستهدافها؟"

ثم وجه كلامه للنقيب محمد بحزم:
— "بعد مهمتك الأولى… أريد تقريرًا شاملًا عن منال بنت غازي وكل ما يتعلق بها.
أنت والنقيب منى مسؤولان عن منال فقط.
النقيب رحمة… الدكتورة فائزة.
أما أنا فسأركز على الصرخة التي عبرت ألف متر."

ابتسم العميد بحكمة وصرامة:
— "الوقت يداهمنا… والمجرم يظن أنه يربح، لكن دوره في اللعبة انتهى.
الآن يبدأ دورنا."
يتبع ....



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد