جريمة على شاطئ العشاق .. الفصل الثاني والعشرون

mainThumb

13-11-2025 02:15 PM

(انهيار عشتار)

 "كلنا نخطئ، نحن بشر، خُلقنا لنتعايش معًا، لنُحبّ بعضنا، ونتعاون على الخير. ولكلٍّ منا نصيبه من النور أو الظلمة.
فإن نسيتَ إنسانيتك، فقد فتحت بابك للشيطان ليضمك إلى حزبه، لتسير في طريق المجهول.
والمجهول يا سادة، لا يرحم، فهو يُعرّي فينا جوهرنا الحقيقي؛ إن كانت فيك بذرة خيرٍ، ستنبت، وإن كانت فيك بذرة شر، فستكون ضيفًا مرحّبًا به في الجحيم..."
– العميد حمد الشميسي
استدعى العميد حمد الشميسي الدكتورة نعمة، الزوجة الأولى للراحل عبدالعزيز. وبعد ساعة بالتمام، دوّت طرقات خفيفة على باب مكتبه، إيقاعها أشبه بنغماتٍ من أغنيةٍ قديمةٍ لكاظم الساهر.
قال العميد دون أن يرفع رأسه من التقارير التي كان يتفحصها:
ــ تفضّلي.
دخلت امرأة أنيقة، تحمل في صوتها شيئًا من رنّة مزامير داود. قالت بلطف:
ــ السلام عليكم.
رفع العميد رأسه مبتسمًا:
ــ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلاً دكتورة، تفضّلي بالجلوس.
ابتسمت الدكتورة ابتسامة تحمل في طياتها شيئًا من العتب وقالت:
ــ يا حضرة العميد، ضبّاطكم استقبلوني في المطار واقتادوني مباشرة إلى هنا... بصراحة، خجلت من طريقتهم معي.
في تلك اللحظة، كان العميد يجري مكالمة سريعة، ويكتب رسالة عبر هاتفه إلى النقيب رحمة:
> "بعد نصف ساعة بالضبط، أحضري الدكتورة فائزة إلى مكتبي."
ثم التفت إلى ضيفته محاولًا تهدئتها:
ــ نعتذر منكِ دكتورة، ولكنها إجراءات ضرورية...
ولم يُكمل عبارته، إذ دخل المقدم سالم يرافقه النقيبان محمد ومنى، بينما تأخرت النقيب رحمة تنفيذًا لتوجيه العميد. جلست منى في الكرسي المقابل للدكتورة، وجلس المقدم سالم بجوار العميد، أما النقيب محمد فاتخذ مكانًا تحت النافذة.
ارتسمت ملامح الارتباك على وجه الدكتورة نعمة، لكنها حاولت إخفاءها بابتسامة مصطنعة وقالت:
ــ إذًا، هل عرفتم من الذي قتل عبدالعزيز؟
تجاهل العميد سؤالها وسألها بهدوء أربكها:
ــ دكتورة نعمة، أين كنتِ ليلة مقتل زوجك؟
ترددت لحظة، ثم أجابت بثبات مصطنع:
ــ كنت في صالون التجميل.
رفع العميد حاجبه وقال:
ــ أقصد من الساعة الثانية ظهرًا حتى التاسعة مساءً.
حاولت التذكّر وقالت:
ــ كنت مع والدتي، ثم ذهبت إلى الصالون... تعلمون، نحن النساء لا نستغني عن الصالون.
ابتسمت بخفة، لكن نظرات العميد تبادلت الإشارات مع المقدم سالم، الذي تولى الحديث قائلاً:
ــ طيب دكتورة، هل تعرفين المدعو شفيق عرب؟
عند ذكر الاسم، لاحظت النقيب منى ارتباكًا واضحًا في حركاتها، إذ أخذت تهزّ رجلها بعصبية تحت الطاولة.
قالت بتوتر وهي تتوجه بنظراتها إلى العميد لا إلى سالم:
ــ يعني... هل تعتبرونني مجرمة؟ والله كأنكم تحققون معي!

لكن صوت المقدم سالم جاء حازمًا:
ــ لو سمحتِ دكتورة، أجيبي عن السؤال. هل تعرفين شفيق عرب؟
سكتت لحظة، ثم همست بصوت متهدّج وقد بدت الدموع تتجمّع في عينيها الخضراوين:
ــ نعم... أعرفه. إنه عامل نظافة في البنك.
سألها سالم بهدوءٍ مدروس:
ــ وما مدى معرفتك به؟
للمرة الأولى، نظرت الدكتورة نعمة مباشرة في عيني المقدم سالم. كانت ملامحها تكشف عن انهيارٍ داخليّ. تنفّست بصعوبة وقالت:
ــ هذا الرجل... أعرفه منذ أيام والدي رحمه الله.
وما إن ذكرت اسم والدها، حتى انزلقت أول دمعة على خدّها، لتبدأ عشتار بالانهيار...
ملاحظات العميد حمد الشميسي
جلس العميد بعد مغادرة الجميع، وراح يقلب في دفتره ملاحظاته بخطٍ متأنٍّ:

> "الدمعة لا تسقط صدفة... إنها اعتراف من نوعٍ آخر.
نعمة بدأت تتصدع، وفي داخلها أسرار لم تبح بها بعد.
شفيق عرب ليس مجرد عامل نظافة، إنه مفتاح لبابٍ أُغلق منذ سنوات."

ثم أغلق دفتره ببطء، وقال في نفسه:

> "عشتار انهارت... لكن الحرب لم تبدأ بعد."

يتبع.
مفردات:
عشتار: إلهة الجمال والحبّ عند البابليين والعراقيين القدماء.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد