ممالك الطوائف

ممالك الطوائف

08-12-2025 03:32 PM

في ذكرى تحرير سوريا من حكم الطائفة الواحدة، نستذكر في التاريخ أن الطوائف الدينية إنما أسسها معارضون للدين والدولة الإسلامية القائمة، وكانت تركز على جهل الشعوب، ونقمتها على الدولة لأسباب عديدة: دينية، وقومية، واقتصادية، وغياب العدل، فكانت تنشأ وتعمل في السر، وتستخدم كل الوسائل غير المشروعة ضد الدولة، ونشر الخوف والفوضى، القتل والسلب والنهب وقطع الطريق، والتعاون مع أعداء الدولة، ومثال ذلك: القرامطة والعبيديون -الفاطميون- والحشاشون (الذين مثلوا الطائفة الإسماعيلية)، والدروز الذين ولدوا من رحم الإسماعيلية، والصفويون والبويهيون (الذين مثلوا الطائفة الاثنا عشرية)، والنصيريون -العلويون- الذين ولدوا من رحم الاثنا عشرية، وجميع الطوائف الباطنية التي خرجت من رحم الطوائف السابقة أو انشقت عنها.

وبما أن هذه الطوائف والجماعات في أصلها معارضة للدين والدولة، وتكونت من مليشيات استخدمت كل الوسائل غير القانونية وغير المشروعة في تحقيق أهدافها، فإنها كانت تحمل نفس الفكر ونفس النهج عندما تؤسس دولة في ظل ضعف الدولة الإسلامية المركزية، فتصبح دولا لا تقبل الآخر، وتتعامل بالعقلية الطائفية ذاتها، فتنشر الظلم والرعب، ويسود فيها القتل والسجون الظلامية والتعذيب والاضطهاد، والتعاون مع الأعداء، فما فعله القرامطة من قتل وسلب ونهب في الجزيرة العربية والعراق والشام، والتي انتهت بمجزرة حجاج بيت الله الحرام، ومنع الحج تسع سنين، واقتلاع الحجر الأسود، والدولة العبيدية في شمال افريقيا ومصر والشام والحجاز، وتعاونها مع الصليبين، ولم يتم تحرير القدس إلا بعد أن أنهى صلاح الدين الأيوبي وجودها، والدولة البويهية وتعاونها مع المغول مما سهل سقوط عاصمة الخلافة الإسلامية في بغداد، والدولة الصفوية ونشرها المعتقد الاثنا عشري بالدم والنار، وتعاونها مع البرتغاليين والأوروبيين ضد الدولة العثمانية، وما فعله نظام الملالي في إيران وأذرعه في المنطقة: الميليشيات في العراق وحزب الله في لبنان وسوريا والحوثيون في اليمن من قتل ومجازر واضطهاد وسجن وتعذيب وتهجير للمكون السني في تلك البلاد، وما فعله النظام في سوريا على مدى خمسة عقود، وما يفعله الدروز اليوم من تعاون مع الكيان الصهيوني في فلسطين وسوريا.

إن هذه الطوائف والتي عاشت بسلام في ظل الدولة الإسلامية الأم، والتي كانت تستوعب الجميع فيما عدا التعدي على الدولة واختراق القانون، لا تستطيع فيما تحمله من فكر ونهج أن تبني دولة تستوعب الجميع، بل لا تقبل المعارضة لنهجها من أبناء جلدتها، وهي تنتهز أي فرصة لبناء دولتها وتوسعها ونشر فكرها، فقد ركبت موجة الأحزاب القومية (التي لا تلقي لميزان العقيدة ولا لدروس التاريخ بالا) حتى وصلت إلى الحكم، وركبت موجة بعض الأحزاب الإسلامية ( التي لا تلقي لميزان العقيدة ولا لدروس التاريخ بالا) لنشر فكرها وتضليل الكثير من أبناء الأمة، فقد أدركت أن هذه الأحزاب همها الأول المصلحة الحزبية حتى لو كان ذلك على حساب الدين والعروبة والأمة، فركبت موجتها ووجدت فيها ضالتها في التوسع والتحكم في مصير الأمة.

لذلك فإني لا أنظر إلى تحرير سوريا ودمشق من باب الخلاص من نظام مستبد وظالم فقط، لا بل من باب أوسع بكثير، إنه باب الخلاص من ممالك الطوائف التي جرت على الأمة الويلات عبر التاريخ وإلى يومنا هذا.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد