رسالة من تحت خط الفقر

mainThumb

07-07-2010 07:00 AM


من أرحام المعاناة ولدنا، وبين براثن الجهل والجوع والخوف ترعرعنا، ومن كثير الآلام عانينا، وبقليل الأحلام شردنا، وبكل الأعمال التي نقدر ولا نقدر ونعرف ولا نعرف أو نجيد أو لا نجيد عملنا أو جربنا، وبالزهيد قبلنا، وعلى نظرات الاشمئزاز من المارة والناظرين والفضوليين تعودنا، وبحرمان الآباء لأبنائهم من مرافقتنا اقتنعنا، ومن حرماننا من أبسط الحقوق للحكومة بررنا، أما العلاقة بيننا وبين الحياة الكريمة فآلاف الموانع والأميال تحول بينها وبيننا، فالفقر نتاجه الجهل والجهل القائد الأعمى لصاحبه فتتوقف أنفاسنا أحيانا خوفا على أجيالنا، ألا ليت الزمان يدور ونرى مسؤولا رحيما مهما علا أو قل شأنه يتجول بيننا ويطّلع عن كثب على وضعنا، ويخرج ولو بتصور بسيط لحل معضلتنا، هل عرفتمونا أيها السادة؟! نعم نحن أبناء الطبقة الكادحة في هذا البلد الطيب.



نؤمن تماما أن الله عز وجل قد رفع الناس درجات فوق بعض ولكنه جل وعلا أوصى الأغنياء بالفقراء ورسم صورة للتكافل الاجتماعي غاية بالروعة حتى يلغي البغضاء والحسد بين الأغنياء والفقراء وتشيع حالة من الحب والتواصل بين أفراد المجتمع كافة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الزكاة:" أن الله قد فرض الزكاة تؤخذ من أغنياء القوم فترد على فقرائهم" أو كما قال عليه السلام، فالذي أوصلنا لهذا الحال هو الإهمال وعدم تطبيق شرع الله ولا حتى مراعاة القواعد الإنسانية في كثير من حالاتنا، فها نحن تركنا وحدنا نجابه قسوة الحياة ووضعت همومنا وما نكابد على هامش أولويات المسؤولين إن وجدت، كم تمنينا لو يستطيع مسؤول ما تحسس شعورنا بالقهر والحرمان الذي نعاني منه وأن منهم من صنعوا أو زادوا من فقرنا وقهرنا وجوعنا بقرارات لم يفكروا للحظة عند إقرارها بوجودنا أو آثارها علينا، قد حادت عنا جانبا كل دعوات ومحاولات الإصلاح والتغيير من الأوضاع المحزنة التي نعيش، والآمال بتغير الحال بدأت تتلاشى فاكسروا عنا جدار الخوف من قادم الأيام وأطلقوا العنان لمكامن قوتنا وعالجوا بعض أخطائنا حاولوا أن تجعلوا منا يدا تبني لا معول يهدم في مسيرة هذا البلد،



 امسحوا دموع الحزن عن قلوبنا وأزيلوا الأذى عن وجوهنا كما تمسحون الدمع عن وجوه أولادكم، اجتمعوا ناقشوا حالنا واخرجوا بقرار حكومي لإعادة الاعتبار إلى حاجاتنا المعيشية اليومية وجربوا إنعاش من هم دون الكفاية منا وأعيدوا الروح التي تعاني في غرف العناية الحثيثة في مستشفى الحرمان والقهر وجربوا بث دماء التفاؤل في شرايينها من جديد، وأدخلوا الأفكار والقرارات إلى مضمار التنفيذ فقد مللنا الانتظار، فكلما مر شريط الحياة في ذاكرتنا نزداد ألما وخوفا فنحن بمنأى عن التطور والتحديث والعلاقة بيننا وبين التكنولوجيا الحديثة كعلاقتنا باللحمة تماما.



سنسرد لكم بعضا من صور حياتنا اليومية وسنترك لعدالتكم الحكم والتقدير لإنصافنا وقد يصعق بعضكم لسماع أشياء لا يتخيل أنها موجودة بل ويعاني منها أفراد من هذا الشعب الأصيل، يفكر بعضنا عندما يواجهه خطب معين أو مرض عارض له أو لأحد أفراد أسرته وتوصد كل الأبواب في وجهه أن يبيع جزء منه، وقد تتطور الأمور إلى التفكير بالتخلص من الروح التي تعبت من القهر وأصابها اليأس من تبدل الحال ولكن الخوف من أن يكون المصير نار الآخرة فيكون رأي البعض أنه يكفيهم ما اكتووا به من جحيم الدنيا التي يعيشون، بعض أولادنا ممن كتب لهم أن يستمروا في رحلة التعليم القصيرة غالبا، أتعرفون بماذا يعودون من المدرسة ؟!؟ لن تتوقعوا ولن تعرفوا ولن تتخيلوا أبدا ... يعودون لا بواجبات بيتيه وحسب بل وببقايا الطعام الذي يتركه أقرانهم ليتقاسموه والأفواه الجائعة المنتظرة للفرج، حياة معظمنا لا تكاد تسمى حياة إلا مجازا فالدخل شبه المعدوم الذي نكد ونشقى لتوفيره لا يكاد يسد رمقا ولا بابا من أبواب المطالبين وما أكثرهم ولا يستطيع تأمين إلا القليل القليل من أولويات الحياة،



 نسكن غالبا في غرف مستأجرة في مناطق عشوائية نتكدس فيها فهي ضيقة جدا ولا يوجد فيها أي كماليات أو حتى أسياسيات المنازل العادية، ونَلبس ونُلبس أبناءنا إن وجدوا ملابس نصف عمر أو أقل من ذلك، ونتقاسم والديدان بشكل سلمي حبات الخضروات التي نشتريها من بقايا ما تتركوه لنا؛ لأنها ما نقدر على دفع ثمنها وإن عجزنا عن ذلك أحيانا، نتدفأ بالشتاء القارص بصفيحة زيت فارغة وضع بها أخشاب جمعت من هنا وهناك بصعوبة، العزاب منا لا يحلمون بالزواج ولا يتطلعون إليه، والمتزوجون يخشون الإنجاب، والمنجبون يخشون أن يؤول مصير أولادهم لما هم عليه الآن، والكثير من نساؤنا إما تفكر بالانفصال عنا أو تضطر مجبرة للخروج معنا لمشاركتنا أعمال الكد والأشغال الشاقة التي تتاح لنا بين الحين والآخر مما يتسبب لنا بتوترات ومشاكل متواصلة داخل الأسرة، يعززها عدم مقدرتنا على توفير أبسط متطلبات البيت حتى الأساسية منها، فلا قدرة لنا على دفع أجرة البيت ولا التخلص من شبح الفواتير المرعب، ننتظر أن يقطعوا عنا الماء حتى لا نجد ما يزيل عنا أوساخ أوجاعنا وأبداننا، وأن يخلصونا من لعنة الكهرباء حتى لا نرى الحيرة والبؤس في وجوه الأهل والأحبة.



نحن نعتذر لأننا أزعجنا مسامعكم وأتعبنا عيونكم بالقراءة عن حالنا ولكن ضاقت الدنيا بنا ذرعا فأملنا في حياة كريمة يموت على أسوار الآلام الشامخة التي نعاني، وتنتحر كل محاولات الشعور بالتفاؤل من على قمم التعب والقهر، تغتال سعادتنا قبل ولادتها، لا بصيص أمل يلوح بالأفق فأزمتنا خانقة وحقيقية وقاتمة ومتفاقمة حتى أننا لم نعد نرى نصف الكأس الممتلئ ولم نعد نرى الكأس أصلا، جف الأمل في عرق يأسنا المزمن والخطوط البيانية لبورصة معاناتنا تتجه نحو الأعلى بقوة ألف حصان، ولا بريق تفاؤل يلوح بالأفق ... ولا آمال ايجابية وشيكة تستطيع التسلل إلى أفكارنا لتغير النظرة السوداوية للمستقبل المجهول الذي لا نعرف ما سيلد لنا من رحم المفاجآت المتوقعة بين الحين والآخر.



هذا غيض يسير من فيض عظيم مما نكابد ونعاني منه يوميا، وضعنا أمامكم صورة مبسطة لحالنا، مع أن الحال يغني عن السؤال، ولكن أين من يبحث عن الحال ويحاول الإجابة عن السؤال؟! ... ننتظركم أيها السادة على شواطئ الأمل التي قاربت أن تجف فلا تتأخروا فقد طال جلوسنا على مدرجات الحياة بلا أمل منشود وبكثير من الألم الموجود، لا تتركونا في غياهب الجحيم الذي نعيش لنصبح أو نستدرج كي نكون وقودا رخيصا يحرق أساسات الوطن... ولكن خذوا بأيدينا وحصنونا من كل محاولات التضليل والتخريب لأفكارنا وتوجهاتنا فنخشى أن ينزلق البعض منا نحو جماعات متطرفة أو عصابات محترفه منحرفة ضالة ومضلة، وعندها لا ينفع الندم على ما فات، حاجاتنا بسيطة بتأمين مسكن آمن متواضع بسيط وخدمات صحية جيدة ومجانية والعمل بأي مهنة تغنينا عن العوز والفقر لا يضر نوعها أو مكانها، فغيوم الكآبة تتكاثر فوق عيوننا كلما نظرنا إلى أنفسنا ويصبرنا أننا نفرد سجادة آلامنا ونصلي صلاة الغائب على الضمائر التي لم تعد ترى من هم دونها، ونختم حديثنا متوجهين لأصحاب الضمائر التي ما زالت تنبض بالإنسانية والشعور الصادق تجاه الآخرين بحديث رسول رب العالمين الذي قال فيه عليه الصلاة والسلام: " ما فتح رجل باب عطية بصدقة أو صلة إلا زاده الله بها كثره".



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد