العجوز

mainThumb

04-04-2011 02:00 PM

تستند الى جدار بيتها القديم ,المصنوع نصفه من حجر وطين ونصفه الاخر قد رمم بالطوب ,تجلس على عتبة (بئرقديم ) مكانه الرصيف بعد ان كان له اهمية في الزمن الغابر , عمره من عمرها قد تجاوز السبعين ,تضع كفييها على خديها ,تراقب المارة  وتسير معهم بنظرها الى ان يختفوا ,تبتسم تارة وتصفن في المجهول تارة اخرى ,تدمع عيناها كلما رأت الاطفال وهم يمرون ويلقون عليها التحية  ,رفيقيها وحدتها  ومجنون البلدة الذي لا ينفك عن مراقبتها من على الرصيف المقابل ,يحدثها ويصغي اليها ,يتصرف بعقلانية معها ,تعطيه في كل يوم بعض الحلوى وتهديه مسواكا ومسبحة من فترة لاخرى ,تقضي يومها بملل ووحدة لا يكسرهما الا ضجيج  حافلة البلدة  حين تمر من قربها ,تفرح كثيرا حين يكلمها او يسألها اي احد من ابناء البلدة ...

 

 

يمر عليها بعض شبان البلدة المرحين ,ولكسر كآبة يومهم يتحدثون معها ويسألونها عن ابناءها  المهاجرين وخصوصا (عبد) ,فتجيبهم  كيف انه تخرج من جامعة (بريطانيا)  ويعمل الان مع (الكونسيوم ) ويتنقل من بلد الى اخر ويتقاضى اجرا كبيرا مع (الفورتام ) ,فيضحك الشبان ويفسر احدهم للبقية ان ابنها يعمل مع اليونيسكو ويتقاضى اجرا كبيرا مع الاوفر تايم ,,,ينصرفوا وهم يضحكون ويبقى المجنون يستمع لبقية حكايتها ,عن ابن ابنها الذي يدرس الطب وعن ابنته (الصيدلانيه ) وعن ابنتها التي تزوجت طيارا وتعيش في الخليج,,تحدث المجنون بان ابناءها يتحدثون اليها كل يوم بالهاتف وانهم سيأتون لزيارتها  لقضاء اجازتهم  في هذا الصيف ,وتغريه بانها ستعطيه من بعض هداياها القيمه القادمه من الغرب..يبقى الحديث ساخنا حتى غروب الشمس ,يثني الاخر على كلامها ويؤكد لها بانه سيكون حاضرا عندما يأتوا وسيساعدها على تنظيف ساحة بيتها ,ينصرف وتنصرف هي الى داخل بيتها ,تتجول بين غرفتها ومطبخها ,تعد لنفسها بعض الطعام , تتمتم مع نفسها وتضحك تارة وتبكي في اخرى ,تضع جسدها النحيل على فرشتها الرقيقة وتغطي نفسها وتغط بنوم عميق ...

 

 

في  صباح اليومي التالي  يجلس المجنون على الرصيف المقابل لبيتها ,ينتظر خروجها وجلوسها المعتاد على عتبة البئر القديم ,فقد تأخرت على غير العادة,يدخل الى غرفتها ,ما زالت نائمة ,يحاول عبثا ايقاظها ,يخرج مهرولا الى جارتها ويخبرها  ,تحاول هي الاخرى دون جدوى ,يدرك الجميع بانها قد فارقت الحياة ,ينادى عبر مكبرات صوت المسجد بانها قد توفيت وان تشييع الجنازة عند صلاة الظهر , يتم دفنها ,يتبرع احدهم بتكاليف بيت عزاءها ,تتحدث بعض النساء عن المرحومة (الختيارة ) وكيف انها اتت من البعيد مع اسرتها وسكنوا البلدة , عاشت وحيدة ولم تتزوج بعد ان توفي والداها ,فكم كانت تحب الاطفال وتحنو عليهم وكيف كان بعض النساء يخشون على اطفالهم منها خوفا من الحسد ...

 

مازال في كل صباح يجلس  المجنون على الرصيف المقابل لبيتها  ينظر الى عتبة البئر القديم  منتظرا اياها ان تعود,يضع كفيه على خديه يتأمل المارة ,يضحك تارة وتنزل من عينيه بعض الدموع تارة اخرى,يصفن في المجهول  ,رفيقه وحدته التي يكسرها من حين الى اخر ضجيج حافلة البلدة  وسؤال يصرخ في رأسه اين اختفت العجوز ؟



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد