هذه لغة العدو

mainThumb

30-06-2011 08:36 PM

 الولايات المتحدة وحلفائها يفعلون ما بوسعهم لمنع أية عملية من شأنها إرساء الديمقراطية الحقيقية في العالم العربي, والسبب بسيط جدّا, فأغلب شعوب المنطقة في الشرق الأوسط يرون في الولايات المتحدة تهديدا رئيسا لمصالحهم وفي الواقع ثمة معارضة كبيرة لسياسات الولايات المتحدة، تجعل غالب شعوب المنطقة يعتقدون أن امتلاك إيران للسلاح النووي سوف يؤثّر تأثيرا إيجابيا على الاستقرار.

 ففي مصر، البلد الأهم، تبلغ نسبة من يعتقدون ذلك 80%, والنسب متقاربة في المناطق الأخرى, وهناك حوالي 10% يعتقدون أن إيران تمثّل خطرا, و بكل بساطة،فان الولايات المتحدة وحلفائها لا يريدون حكومات تحقّق رغبات شعوبها.. فما إن تحقق هذا الحلم أو حصل هذا فعلا، لن تفقد الولايات المتحدة سيطرتها على المنطقة فحسب، بل سوف تُطرد منها.. لهذا فإنّ حصول ذلك أمر غير مقبول عندها. وهناك جانب مثير للاهتمام، من هذا الموضوع، تجلّى مع ويكيليكس, أكثر الإصدارات حصولا على الاهتمام الإعلامي (عناوين الصحف، تعاليق مستبشرة ...الخ) هي مساندة العرب لسياسات الولايات المتحدة مع إيران وقد تناول الإعلام مقالات الطغاة العرب في هذا الصدد, فبالطبع لم يكن هناك أيّ تلميح لموقف الشعوب العربيّة لأن هذا لا يهمّ, ما دام الطغاة يساندوننا، ويسيطرون على شعوبهم، فما المشكلة إذن؟ هذا يشبه الامبريالية... ما هي المشكلة إذا كان هذا الوضع في صالحنا؟.. تستطيع الشعوب أن تشنّ حملات كره وحقد كما تريد، فأصدقاؤنا الطغاة سوف يسيطرون عليهم و ليس هذا موقف الدبلوماسية الأمريكية أو الإعلام الذي تناول تلك الوقائع فحسب، بل هذا كذلك موقف المثقفين بصفة عامّة.. ليس هناك أيّ تعليق على كل هذا.. وفي الواقع، فإنّ تغطية مثل هذه الاستفتاءات منعدم تماما في الولايات المتحدة, فهناك بعض التعليقات في انجلترا لكنها قليلة جدا, المهمّ أنّ ما يعتقده الشعب ليس مهمّا ما داموا تحت السيطرة.

 ومن هذه الملاحظات، تستطيع أن تعرف بكل سهولة ما هي السياسات التي سيتمّ انتهاجها.. فمثلا، في حالة الدول الغنيّة بالبترول و التي يحكمها طغاة مطيعون، فهؤلاء لهم "كارت بلانش", وأهمّ هذه الدول العربية السعودية، وهي الأكثر قمعا وتطرّفاً وساهمت في نشر الإسلام الأصولي كالجهاد وغيره.. لكنهم مطيعون لذا فليفعلوا ما يشاءون.. فقد كان مبرمَجا للقيام بمظاهرات في السعودية لكنّ الحضور البوليسي في الشارع السعودي كان بكثافة كبيرة وبأعداد هائلة إلى حدّ أنّ الناس لزموا بيوتهم في ذلك اليوم ، نفس الشيء بالنسبة للكويت.

 لكنّ أكثر الحالات إثارة للاهتمام هي البحرين, فالبحرين مهمّة لسببين : السبب الأول و المعروف هو أنها تستضيف الأسطول الأمريكي الخامس أحد أهمّ القوات العسكريّة في المنطقة, و السبب الثاني، وهو الأساسي، هو أن البحرين فيها 70% من الشيعة، وهي محاذية لشرق السعودية الذي تقطنه أغلبية شيعية والذي يحتوي على أغلب بترول السعودية, فبالطبع فإن السعودية كانت منذ الأربعينيات وحتى اليوم المصدر الرئيس للطاقة, لسبب عجيب تاريخي وجغرافي، أكبر مصادر للطاقة في العالم موجودة في المناطق الشيعية, وهم أقلية في الشرق الأوسط ولكنهم متواجدون في مكان تواجد النفط، حول شمال الخليج العربي, وهذا يتمثل في شرق السعودية، جنوب العراق، وجنوب غرب إيران. والقوى الكبرى تخشى منذ زمن من احتمال حصول نوع من الاتحاد بين هؤلاء الشيعة ومن ثمّ السير نحو الاستقلال وبالتالي السيطرة على أكبر مصادر النفط في العالم.. وهذا بالبداهة أمر مرفوض.. فلنعد إلى البحرين إذن, حصل تصعيد، فدخلت القوات العسكرية السعودية وأخرى وأعطيت بهذا الفرصة للقوات البحرينية لقمع تلك المظاهرات بشكل عنيف حتى أنهم دمّروا المدينة التي حدث فيها هذا ودمّروا "دوار اللؤلؤة" الذي يُعدّ رمزا من رموز البحرين واقتحموا أكبر مركّز صحّي هناك وأخرجوا منه المرضى والأطباء وقاموا بشكل يوميّ بالقبض على ناشطي حقوق الإنسان وتعذيبهم.... إذا كانت الإجراءات متماشية مع سياسات الولايات المتحدة الاقتصادية والإستراتيجية فلا بأس. حسنا، هذا بالنسبة للطغاة الأغنياء والمطيعين، من أصحاب النفط، فماذا عن مصر، الدولة الأهمّ لكن ليس على الصعيد النفطي؟ بالنسبة لمصر وتونس والدول الأخرى من نفس الصنف، هناك إستراتيجية روتينية عامّة, عندما يكون عندك دكتاتور اوليغارشي مفضّل وتحصل له مشاكل، قم بمساندته بقدر ما تستطيع وإلى أطول وقت ممكن, وعندما يصبح من المستحيل مساندته، على سبيل المثال عندما ينقلب عليه الجيش أو الطبقة الغنيّة، عند ذلك ابعثه إلى مكان ما، أطلق تصريحاتك الرنانة حول حبّك للديمقراطية ثمّ بعد ذلك حاول أن تعيد النظام السابق، ربّما بأسماء جديدة, وهذا ما حصل وما زال يحصل دائما وأبداً.. هذا لا ينجح دائما ولكن دائما يحاولون فعله.. مثلا : سوموزا في النياكاراغوا، الشاه في إيران، ماركوس في الفلبين، دوفاليي في هايتي، شون في كوريا الجنوبية، ، سوسيسكو في رومانيا، سوهارتو في اندونيسيا. عمليّة روتينيّة تماما، وهذا ما يحدث الآن في مصر وتونس, نعم نساندهم حتى النهاية، مبارك في مصر، حتى النهاية, لم ينجح هذا؟ ابعثه إلى شرم الشيخ، أحضر الكلام الرنّان الجميل، حاول أن تعيد النظام السابق. وهناك صنف آخر من الدول، الدول الغنية بالنفط، لكنّ الطغاة فيها ليسوا مطيعين, هنا إستراتيجية مختلفة, حاول أن تضع دكتاتورا مطيعا أو أكثر طاعة, وهذا الحاصل الآن تماما, بطبيعة الحال، يجب أن تضفي على العمليّة غطاء المساعدة الإنسانية, وهذه كذلك إستراتيجية تاريخية عامّة. لو عدت إلى التاريخ، فستجد كل العمليات العسكرية، مهما كان فاعلها، مصحوبة بأرقى و أنبل الكلمات والتعليلات.. كلها إنسانيّة.. مثلاً هتلر في احتلاله تشيكوسلوفاكيا، اليابانيون الفاشيون في احتلالهم شمال الصين، موسيليني مع أثيوبيا.ز لا خروج عن هذه القاعدة إلا نادراً.. ثمّ هناك شيء آخر، يستطيعون أن يضيفوه وقد أضافوه مرات ومرات، وهو أن تدخّل الولايات المتحدة وحلفائها فقد جاء ذلك بناء على طلب الجامعة العربية, لكن في نفس الوقت فإن الولايات المتحدة تتجاهل مطالب أخرى للجامعة العربية، مثلا مطالبتهم بمنطقة حظر طيران فوق غزة كما نقلته لم يتمّ تغطية هذا الخبر في الولايات المتحدة, ولأكون دقيقاً فقد تمّت تغطيته من طرف واشنطن تايمز لكن تمّ حجبه في الولايات المتحدة، تماما مثل ما يقع مع استطلاعات الرأي، استطلاعات الرأي العامّ العربي، هذا ليس النوع الصحيح من الأخبار, فإذن إن مطلب الجامعة العربية بفرض منطقة حظر جوي فوق غزة لا يتماشى مع سياسات الولايات المتحدة، فكان مصيره التجاهل ثم الاختفاء. اليوم، هناك تغطية لبعض استطلاعات الرأي كتلك التي جاءت في صحيفة النيويورك تايمز وملخّصه هو (أنّ المصريّين يريدون إلغاء اتفاق 1979 للسلام مع إسرائيل الذي كان حجر الأساس لسياسة مصر الخارجية وللاستقرار في المنطقة) حسب التايمز, وفي الواقع هذا ليس دقيقا، لقد كان هذا الاتفاق حجر الأساس لعدم الاستقرار في المنطقة ولهذا فإن المصريين يريدون إلغاءه, الاتفاق ألغى بالأساس دور مصر في الصراع العربي الإسرائيلي، وهذا يعني إلغاء القوة الوحيدة التي يمكن أن تقف أمام العمليات العسكرية الإسرائيلية, ولقد كان هذا حافزاً لإسرائيل لتوسيع عملياتها اللاقانونية في الأراضي المحتلة وللهجوم على جارتها الشمالية لبنان. بعدها بقليل، هاجمت إسرائيل لبنان، و قتلت 20،000 شخص، ودمرت جنوب لبنان، وحاولت إرساء نظام عميل، لكنها لم تنجح تماماً. فكانت ردّة الفعل الأولى عن اتفاق السلام، أن هناك أموراً لا تعجبنا (كالتخلي عن منشآتنا في سيناء).

 لكن مع هذا، فللاتفاق جانب جيّد، لأنّنا نتخلص بهذا من ندّنا الأوّل والوحيد (مصر) فنستطيع من هنا فصاعدا أن نستعمل القوة والعنف لتحقيق أهدافنا الأخرى. وهذا تماما ما حصل, ولهذا يرفض الشعب المصري هذا الاتفاق, هم يفهمون كل هذا وكل من في المنطقة يفهم هذا, ومن جانب آخر، فإن التايمز لم تكذب عندما قالت أن اتفاق السلام أدّى إلى الاستقرار في المنطقة, والسبب راجع إلى معنى مصطلح "الاستقرار" تقنيّاً, كلمة الاستقرار تشبه كلمة الديمقراطية.. الاستقرار يعني التماشي مع مصالحنا.. فمثلاً عندما تريد إيران توسيع نفوذها في أفغانستان والعراق، دول الجوار، هذا يسمّى زعزعة للاستقرار.. هذا جزء من تهديدات إيران, هذا تهديد للاستقرار في المنطقة.. لكن في نفس الوقت، عندما تحتل الولايات المتحدة هذه الدول، و تدمّر نصفها، هذا يكون الهدف منه طبعا إرساء الاستقرار.

وهذا شائع جدّا إلى حدّ أنه من الممكن أن تكتب (كما فعل محرّر سابق في مجلة "شؤون خارجية") أنه عندما قامت الولايات المتحدة بطرد الحكومة الديمقراطية في الشيلي ووضعت مكانها دكتاتورية فاسدة كان هذا لأنها كانت مجبرة على زعزعة استقرار الشيلي لإرساء الاستقرار. هذا في عبارة واحدة ولم يتفطن أحد إليها لأن هذا العمل "صحيح" إذا فهمت معنى كلمة الاستقرار.. نعم، تنزع حكومة برلمانية، تقيم بدلا عنها دكتاتورية، تغزو بلدا و تقتل 20000 شخص، تغزو العراق وتقتل مئات الآلاف، كل هذا من اجل الاستقرار.. انعدام الاستقرار يأتي عندما يعترض طريقنا أحد...



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد