الحديث عن الانتماء بصوت عال ..

mainThumb

19-09-2011 02:38 PM

حب الوطن.. غريزة متأصلة في النفوس، والنصوص الشرعية من الكتاب والسنة تؤكد ذلك الحب والانتماء للوطن. وعن ابن عباس, قال : لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة قال : (أما و الله إني لأخرج منك وإني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلى الله, وأكرمه على الله ؛

و لولا أهلك أخرجوني منك ما خرجت). فهكذا هو حب الوطن ولكن الرسول حي هاجر الى المدينة اقام دولته هناك واخلص العمل وانتمى للمجتمع الجديد وكان يدافع عن المدينة باخلاص وولاء وتضحية.

 وقد اختلفت تعريفات الوطنية عند الباحثين باختلاف المناهج الفكرية لديهم، فمنهم من جعلها عقيدة، وآخرون جعلوها تعبيرا وجدانيا يندرج داخل إطار العقيدة الإسلامية.الشعور الوجداني بالانتماء لتاريخ البلد وحاضره ومستقبله هي ميزة المواطنة التي يندمج كيانها في البيئة الطبيعية والبيئة الاجتماعية، ولأن المجتمع مجموعة من الأفراد والجماعات، فإن الانتماء يعني استشعار المصائب التي تمر على أي فرد وأي جماعة والسعي إلى إحقاق العدل واستقامة الأمور، ولأن كل الجماعات هي التكوين الكلي للمواطنة، فإن على المواطن الحق استشعار انتمائه للجميع دون أن يعني ذلك تخليه عن أصله وفصله... بل العكس؛ لأن الوحدة تكمن في التنوع وفي الاعتراف بالآخر.

واصل الانتماء هو أن ينتمي الفرد الأسرته التي هي أول كيان يحتضنه وانتماء يعيشه, وقد ولد في أحضانها،ومن لا ينتمي لأسرته لا ينتمي لشيء لسواها ,اذ انها الأولى بانتمائه, ثم يأتي الانتماء إلى دائرة أوسع وهي الجيران والحي والأقارب والقرية، ثم الوطن، ثم لامته وقوميته والانتماء الأكبر للدين ثم ينتمي للانسانية وللبشرية اجمع فيعمل كل ما من شأنه رفعتهاوتطورها واسعادها كما فعل الانبياء والرسل عليهم السلام.

ومن يفتقد الانتماء لهذه المجموعات يفتقد الاحساس بالوجود الاجتماعي وهو منسلخ ولا يرجى خيره.يذهب الباحثون في علم الاجتماع إلى تعريف المواطنة في المجتمع الحديث على أنها علاقة اجتماعية تقوم بين الأفراد والمجتمع السياسي (الدولة)، حيث تقدم الدولة الحماية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للأفراد، عن طريق القانون والدستور الذي يساوي بين الأفراد ككيانات بشرية طبيعية، ويقدم الأفراد الولاء للدولة ويلجأون إلى قانونها للحصول على حقوقهم. ومن مميزات هذا التعريف انه بالإضافة إلى كونه نمطياً من الناحية النظرية فهو في الوقت نفسه إجرائي منهجي يتيح دراسة المواطنة وقياسها وتحديد مستوياتها والتنبؤ بأبعادها وآفاقها وتقييم وتقويم أدائها في أي مجتمع.

فمن الواضح في هذا التعريف أنه يتضمن آلية التعاقد (العقد الاجتماعي) فحين يفترض أن تكون الحكومة التي تسير الدولة هي المسئولة عن ترسيخ الشعور بالمواطنة، فإنها إذا أخلت بشروط العقد، أي إذا لم تؤمن الحماية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للأفراد ولم تساو بينهم عمليا أمام القانون، كان من الطبيعي أن يخف إحساس الأفراد بشعور المواطنة والولاء لقانون المجتمع ـ الدولة التي يعيشون في ظهرانيها، وأن يبحثوا عن مرجعية أخرى تحميهم، أو تقدم لهم شعورا ولو كان وهميا بهذه الحماية، كالعودة إلى الارتباط بالجذور الدينية أو الطائفية والعائلية والقبلية والعرقية والإقليمية. ولتوضيح ما هو واضح فيما نرمي إليه، دعونا نتسائل: - ماذا يفعل المواطن الذي يتقدم لمسابقة وظيفية حين يجد أن المواطن الآخر الأقل كفاءة أو الأقل تأهيلا قد قبل وهو غير مقبول؟ بأي جهة انتماء يستنجد وبماذا سيشعر؟ ‏ ـ ماذا يفعل أبناء المنطقة الإقليمية من الوطن عندما يشعرون بالغبن من الخدمات التنموية للدولة في منطقتهم مقارنة بمناطق أخرى من البلاد؟ ـ ما نوع الانتماء الذي يشعر الناس به أو الذي سينمو لديهم، والى أين يتوجهون باختياراتهم، عندما يجدون القوائم الانتخابية مهيأة على أساس الطائفة أو العشيرة أو القبيلة اوالاقليم، ولو كانت باسم أحزاب ومنظمات وقنوات حديثة، أو عندما يصر المرشح على الإيحاء بعشيرته أو قبيلته في إعلانه الانتخابي؟واخيرا يتفاجأ الجميع بتزوير الانتخابات؟ ما نوع الانتماء والشعور الذي سيستمر لدى الناس المهاجرين إلى المدن الكبرى فرارا من الفقر وقلة الحيلة,وعندما لا يجدون العمل ولا يتمتعون بالخدمات التي يتمتع بها مواطنوهم في المدينة نفسها؟ فأي انتماء نتحدث عنه في غياب المقومات الاساسية للبقاء في ظل الفساد والافساد وتجبر الاغنياء وهل ينتمي الفقير والمحروم والمنبوذ والمقصي لطائفة الاغنياء؟؟ وطالما سمعت من مواطنين يعانون من الاحساس بالأغتراب وهم هنا داخل الوطن!!! ولكنهم خارج الحبيبة عمان!! لمن سينتمي هؤلاء ؟؟؟
هناك دراسات ميدانية كثيرة عن "الانتماء الوطني وتقدير الذات ، أثبتت أن هناك علاقة موجبة بين الانتماء الوطني وتقدير الذات عند الأطفال, ونحن هنا في الاردن لا ينقصنا التعزير والشتائم وتقليل الشأن وتنقيص الذات ابتداءا من المنزل فالشارع فالمدرسة وانتهاءا بالعمل.وكما علمنا الهاشميون ونستمد من جلالة الملك عبد الله ادامه الله ان نتحدث بصوت عال لانه لا يوجد هناك ما نتحسس منه ما دام الحديث عن الاصلاح والوحدة الوطنية والهوية الاردنية وهو ما يشغلنا ونعمل جميعا من اجله ,فأن ما يؤرق جلالة الملك من أن الاردني لا يعنيه الوطن وان المصري يقدس وطنه وهو اعزعليه من امه وابيه, ويتمنى جلالته ان ينمو الانتماء لدينا فيتساوى مع حب الابوين ونحن نتمنى ذلك ايضا.

فيسأل سائل اذا كان ما ذكرت صحيح!! فأن المصري يعاني ويشكو من جميع الاعراض التي ذكرت ولذلك فر من بلده الحبيب باحثا عن لقمة العيش ولم يزل يقدس ويعشق بلده فما سر الاردني اللامنتمي ؟؟ فأقول ان الاردني بعد ان استقل حديثا عن الكيانات العربية المتعددة التي كانت ألويته ومحافظاته تتبع لها في جميع الاتجاهات ومن تبعنا من مواطني هذه الكيانات ,حتى تدفق عليه خليط من الجنسيات العربية والقوميات المختلفة, ويؤكد ذلك أن اكثر من اربع حكومات شكلت بداية تأسيس الدولة الاردنية هي ورؤسائها من جنسيات عربية , فابتدأت الدولة وهي تحمل الهم العربي والمشاركة العربية, عدا عن انها امتداد للثورة العربية الكبرى وشيخها الحسين بن على طيب الله ثراه وابناؤه الملوك الهاشميون الذين ما فتئوا دعاة توحيد ولحمة لأمة العرب,ثم توالت علينا الهجرات العربية المهجرة نتيجة الحروب الصهيونية وحروب الخليج وغيرها, فلم يستطيع الاردني ان يفكر ولو للحظة ان الاردن له وحده وهو الانصاري الذي ما زال بيته مفتوحا لكل المهاجرين والذين فاق عددهم عدد ابناء البلد فاصبح الواحد منا لا يجروء ان يجاهر بأردنيته خشية ان يساء تفسيرها او تأويلها وينعت بأنه اقليمي وضيق الافق وهو المقتسم رغيفه وبيته مع ضيفه!!! فكان يشغله الهم العربي كما هو شاغل الهاشميين من فلسطين الى العراق الى سوريا, فكان الاردني ولم يزل مشروع شهادة وتضحية وانطلاقا من مسمى الجيش العربي الاردني الذي قدمت فيه كلمة العربي على الاردني وهي فعلا ترجمة حقيقية لواقع الاردنيين في هذا البلد فقد سيطر عليهم الهم العربي القومي مما تلاشت معه الهوية الاردنية, فالحق اقول ان الاردنيين لم يستطيعوا ان يوجهوا ولائهم وانتمائهم تجاه الاردن فقط وانما كحالهم المتعددة الجنسية والهوى والولادة تعددت انتماءاتهم وولاءاتهم لأمتهم العربية وقومياتهم المتعددة الاخرى, والاردني القديم اصبح جديدا باندماجه مع هؤلاء الاعزاء الذين يعيشون بين ظهرانيه وهو ايضا لا يستطيع ان ينسلخ عن مجتمعه وابناء وطنه وفكرهم كجزء من الجماعة وخوفا من الانقسام والاتهام بالتحيز والعصبية والاقليمية , فسكتنا على هذا الواقع دهرا حتى صار معيار حياة وطبيعي, فلا اضن امي تستطيع ان تتغنى بأردنيتها وهي تجالس من تبكي فلسطينها واهلها هناك او ثكلى تنوح عراقها وابنائها ولا أبي يستطيع ان يجاهر باردنيته وشماغه الاحمر وشريكه بالعمل ونسيبه يرتدي شماغه الازرق. ونريد جميعنا ان ننسى فتنة السبعينات وأيلولها الاسود .نحن في الاردن لسنا نعاني من تشتت الهوية ولكننا ايضا نفتقد الزي الرسمي الوطني واللهجة الرسمية الوطنية والاكلة الوطنية والهم الاردني, ولا اعيب ذلك على الاردنيين ولكن مع امتزاج الخليط السكاني اصبح لدينا لهجات متعددة ولباس متعدد واكلات متعددة, عدا عن ثورة المعلومات الاتصالية التي شاركت المواطنين في أنحاء العالم ووحدت الهموم والصورواللغة والاكل واللبس، مما أدى تدريجياً إلى ظهور مفهوم المواطن العالمي...هذا المواطن المنتمي إلى الإنسانية في عمومها , أصبح يدرك ضرورة التشارك الإنساني لمواجهة المشكلات التي تشكل خطراً على الكوكب بأسره، بدايةً من مشكلات البيئة وانتهاءً بأسلحة الدمار الشامل. وفي المقابل تنتشر ظواهر العزلة والاغتراب وعدم الانتماء بسبب تأثير نفس الوسائل الاتصالية. ولكني اقول يا جلالة الملك نحن معك وانت عميدنا فلننؤسس لاتجاه يوحد الاردنيين وهويتهم في خليطهم الجديد ويصب في بوتقة الاردن الحديث المتطور ,فبعد الربيع العربي اصبح لزاما علينا ان نؤسس لاردن جديد ,وفي ظل الظروف المتردية السائدة على مستوى العالم والمنطقة العربية والتراجع الحاصل على الصعيد الذاتي والعام، كم نحن بحاجة إلى مراجعة ذاتية وموضوعية لكل المتغيرات التي تحدث، كم نحن بحاجة أن نجسد الانتماء للوطن الاردني بكل قيمه المقدسة، ونعود لمثل هذا الانتماء، نلغي كل ما يتناقض مع ذلك، نقف مع الذات وبمراجعة جدية، نوقف حالة التدمير التي تحدث على الصعيد الذاتي والعام، نعود للقيم التي رضعناها مع حليب الطفولة، حب الوطن، التضحية، الاستعداد للعطاء، ما دمنا نعيش معا ويقع علينا الخير والشرفي هذا البلد ولا مفر، ندعوالى السلوك المنسجم مع الأخلاق والقيم الوطنية ووحدة وتلاحم الجميع، التعاون بكل صوره، النضال وبما يترتب عليه من التزام إلى آخر ما هنالك من القيم النبيلة,هي دعوة للانتماء الحقيقي، ويبقى الاردن الوطن، هو القدسية التي يجب أن يتغنى بها جميع الاردنيون وفي محرابه يجب أن تنتهي وتسقط كل الانتماءات الأخرى.‏


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد