وحدوا الله

mainThumb

06-10-2011 06:54 AM

عندما يكثر الهرج والمرج، ويختلط الحابل بالنابل، ويتقاذف الإخوة وأبناء العمومة والخؤولة، والأحباب الاتهامات فيما بينهم، وتتنافر الرؤى والنيات والتوجهات، وينحى الموقف صوب الدمار والانهيار وانحراف وجهة البوصلة، ودنو التشابك بالأيدي وليّ الأذرع......... يصيح العاقلون بحرقة: وحّدوا الله.

مما يعني أن الوضع الحالي قد وصل إلى الخيط الرفيع الفاصل بين الخلاف والاختلاف، كما لامس من سوء وتوابعه المدمرة دربا يشتعل في جنباتها لهيب الفتنة وسعيرها.

وضع مأزوم متشنج ينسى المتخاصمون فيه خالقهم وربهم لأنهم فرشوا للشيطان البسط والمدارج ليزين للفرقاء الفرقة، ويجمل في نفوسهم قبح الشحناء؛ شيطان لم يسلم من شره من صاحب خير البرية وبُشِّرَ بالجنة. إننا في الأردن الآن نشتم عطر منشم، ونرى ملامح غمس أيادينا في هذا العطر المشؤوم فنشرع سيوفنا وخناجرنا في وجوه بعضنا بعضا. وعندما تتقاطر الدماء- لاسمح الله تعالى- من حدّ هذه السيوف، عندها لن نجد أصابع نعض عليها ندما وحسرة على ما جنينا بحق أنفسنا وبلدنا، وسنخرج جميعا خاسرين دنيانا وأخرانا، وما الصومال المسلم العربي ببعيد عن النظر والذهن، إذا استثنينا ما يدعى في دول الربيع العربي. الفتنة كرة ثلج قد تبدأ بنظرة بغيضة نضخمها وندحرجها لتكبر شيئا فشيئا فتهلك في طريقها ما بنيناه وزرعناه ورعيناه. وهاهي ملامحها تكتمل بتسارع وعلى مساحة الوطن كله من الشمال إلى الجنوب مرورا بالوسط؛ فالبارحة اعتداء على نائب أسبق، واليوم حرق سيارة نائب كذلك، البارحة اعتداء على طاقم صحفي من قبل أنصار أقوى الأحزاب الأردنية، واليوم اعتداء على مسيرة يقوم بها هذا الحزب، اليوم يرفع كل منا يافطته، وغدا سنرمي اليافطات تحت نعالنا ونتعارك بأخشابها.

 زد على هذا ما نتراشقه من اتهامات وتخوين في الفضائيات والصحف والمواقع الإلكترونية، مما يثير الحفيظة وارتفاع إفراز الإدرينالين مما يحمله من حقد وغيض وكراهية وانتقام. أضف إلى ذلك القرارات والتشريعات والتعيينات التي يعتمدها المسؤولون بطريقة غير مدروسة مما يستثير غضب الشارع ويهيج مشاعر الرفض والتصدي على صورة مسيرات واعتصامات ولقاءات وتجمعات عشائرية وحزبية ومهرجانات نرفع فيها مطالب نتفق عليها جميعا، ولكن سرعان ما نختلف على الوسائل والإجراءات ومنسوب المطالب؛ فهذا يرى أن يكون السقف يناطح الغمام، وذاك يرى أن يلامس السقف الآمال والطموحات، في حين نرى آخرون يريدون هدم السقف على الرؤوس. وآخرون يرون أن إصلاح البيت بهدم أركانه، وإصلاح البئر بردمه.

 الفساد لا يقتصر على الفسادين المالي والإداري فقط، بل ينسحب إلى فساد أشد قسوة ومضاضة، فساد بطعم المرّ والعلقم، يقع فيه المواطن العادي البسيط بين مطرقة المسؤولين وسندان الأحزاب والجبهات والحراكات إن بقيت الأوضاع على هذه الحال المتشنجة، فساد يُطحن فيه المواطن بين الرحى طحن الحبّ والنوى؛ إنه الفساد المذكور في قرآننا الكريم فارجعوا إليه لعلكم تعقلون، إنه الفساد في الأرض؛ إنها الفتنة التي حرصنا على إيقاظها من سباتها لتعصف بشرورها ما بنيناه نحن وآباؤنا، فتنة إن أنشبت أظفارها بتلابيبنا ورقابنا، سيصبح عندها العرب عربين كما يقال. بل سنصبح أعرابا وأعاريب وعربانا ومستعربين.

ولكم أن تتخيلوا المآل المرعب إن تقاتل الأخوة، وتعارك الجيران، وتصارع الأصحاب. أدخلوا الألسنة إلى أجوافها، والسيوف والخناجر إلى أغمادها، ولا تنقضوا غزلكم الذي نسجتموه سداة ولحمة، ولا تحاربوا الفساد والفاسدين والمفسدين بفساد أكبر؛ عندها سيفلت هؤلاء من بين أيدينا وينسابون كانسياب المياه العادمة في مجاري الصرف الصحيّ دون عقاب بسبب انشغالنا ببعضنا صباح مساء.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد