هل يَفعلها عَوْن ؟

mainThumb

20-10-2011 01:04 PM

أرهقها الخيّالة المتطفلون، وفقدَ الميدانُ حرارته، ولم يعد فيه ما يثرُ الشوق، وكادت الكحلا تموت قهرا لرداءة الفرسان.

منذ سنوات طويلة يشعر الأردنيون بالاختناق، وتحتقن رئة الوطن بإفرازات السياسات العوجاء ، حتى ما عاد يحتمل أكثر، وظهرت على وجهه زرقة الاختناق، فعرفها حتى التلاميذ المبتدئين في الطب، ولم يعد هناك حاجة للبراعة في التشخيص، ولا لأصحاب الرؤوس الكبيرة، والأذان الواسعة من الفريق الذي يدعي دوما الحرص، ويحتكر المعرفة، وباستمرار يخرج الجميع من غرفة الفحص، ليمارس هوايته بالأستاذية والجثة تحتضر.

كلُّ الفساد الذي شهدناهُ، وكشفته الأحداث في جوارنا العربي عندنا في الأردن ما يوازيه ويكافئه، إلا أمرا واحدا تفردنا به دونهم، ألا وهو: صيانة الدم وحرمة العرض، لكن لا ينبغي أن تتحول هاتان الفضيلتان إلى مكرمة وعقبة حائلة دون إجراء العملية الإصلاحية، وتجعل الفساد المستشري في جسد النظام مشروعا، ويمكننا التعايش معه.

إن عقلية الفاسد تُطور في ذهنه عمليةَ الفساد مع الأيام، لتتحولَ من مجرد نزوة أو سقطة أخلاقية مارس فيها فساده، وينبغي عليه أن يطهر نفسه منها - إلى حق مكتسب يبدأ بدوره بالتّفنن فيه، وتطويره بل وتوريثه، والتكرّم به على خاصّته، ولا يتصور أبدا أن يعيبه عليه أحدٌ، أو يسأله فيه.

لن تكون مهمة دولة الرئيس عون الخصاونة سهلة، لأن هذه الفئة الآن تقف في وجهه، وتعتبره خصمها اللدود، وتزرع الحقل بالألغام من تحت قدميه، بل زرعته فعلا، وأورثته تركة ثقيلة، وهي تُرتّب خطة الهجوم المضاد، وعلى الرجل أن يكون على كامل الاستعداد للمواجهة. 
لقد جاء دولة الرئيس وهو يدرك تماما حجم العقبات، لأنه يعلم الرواية الحقيقية لآليّة صنع القرار في الدولة، والمحكومة بمؤسستين لا ثالث لهما: مؤسسة الديوان ودائرة المخابرات، ولذا كان شرطه الأساسي للقبول بإدارة الدولة في ظل الأزمة أن يُعطى الصلاحيات الكاملة تتجاوز المؤسستين، وهو بذلك اهتدى إلى النصف الأول من الحل إنّ كان جادا في تنفيذه، ودعمه الملك شخصيا في ذلك.

وبعدها تأتي أن الخطوة الثانية على طريق النجاح في المهمة وتتمثل بالجلوس مع حَمَلة الهمّ العام، للاستماع من خلالهم إلى آمال الشعب وهموم الناس وطموحاتهم التي عبروا عنها بمئات المسيرات والمهرجانات والكتابات، والتي كادت محاولة تجاهلها أن تنسف الوضع، وتقلب الطاولة، وتلقي الشرارة في كومة القش اليابس.

على دولة الرئيس وهو الرجل القانوني المطلع العارف بالحقوق الأساسية للمواطن، والحدود الدستورية لأي حكم، والصلاحيات المنطقية لأي منصب، والقواعد الضابطة لأي كيان مدني ديمقراطي راقٍ - عليه أن ينطلق في مشواره في الحل من هذه الثوابت، ولا يحيد عنها قيد شعرة.

الأردن في الآونة الأخيرة أعوزه قامة بحجم قامة هزاع ووصفي، وأعوزه الرجال الأكفياء المحترفين مهنيا، المكتملين أخلاقيا، المحكومين للمبادئ، الْمُتَرفِّعين عن الجهويّة والعصبيّة والمحسوبية، وقبل ذلك الممتلكين للشخصية، والواثقين بالذات الذين يستعصي عليهم الذوبان في الآخر، والمطاوعة أمام الضغط، والتلاشي بحضرة المسؤول الأعلى رتبة.

الفرصة أمام الرجل تارخية، وعليه أن لا يضيعها، فيستثني من حكومته كل الوجوه القديمة، ومَن له علاقة بها، لاستعادة الثقة المفقودة التي يعزز فقدانها تكرار أيّ من تلك الوجوه في حكومته، وعليه أن يسعى فعليّا لإجراء التعديلات اللازمة التي ترضي الشارع، وتطمئنه على صوابيّة المسار الجديد، كما عليه أن يواجه وبجرأة كل العقبات التي تواجهه ويعلن عنها، ويفضح الجهات التي تتبناها في حال حصلت، وهو الرابح في الحالين:

• في حال نجاحه في إحداث التغيير الحقيقي في بنية النظام ونهج الحكم. أو في حال استعصاء الجبهة الفاسدة عليه، وفضحه لها جهارا، وانسحابه من المشهد بشرف، ليترك الخيار بعد ذلك للشارع ليرى رأيه،

• ولا تكون الثالثة وهي التي لا نريدها: أن يكرر سيرة أسلافه ويفوّت فرصة العمر،ويخذل الناس مرة أخرى، فيذعن للإملاءات، ويجترّ السياسات، ويفجر الوضع من جديد بعد أن بلغ اليأس في نفوس الناس مداه، والله وحده العالم بمخاطر نهايته وعقباهُ.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد