الدفاع عن السَّفاح وغيبوبة العقل

mainThumb

02-11-2011 11:14 AM

كنت سأصاب بالصدمة – كغيري – وأنا أقف أمام قوافل الحجّ الثورية التي تُولِّي وجهها شطر دمشق لتطوف ببيت البعث العتيق سبعا، وتجثوَ على الرُّكب، وتُقدّم آيات الولاء للحَبر الأعظم بشار، وريث أبيه الهالك، وسليل أسرار الغيوب -  كنت سأصاب بتلك الصدمة فعلا لولا أن منَّ الله عليَّ بفيضٍ من هُداه أبعد عني شبح الصدمة، وحفظ لي عقلي وتماسكي.
لم أستغرب لحظة عبادة الجاهليين للشجر والحجر، ولا تأليههم للشمس والقمر، ونحن نشهدُ اليوم تقديس بعضَ الهنود للبقر والثيران، وفناءَ بعض العابدين بأصناف من القوارض والفئران، وولعَ فئاتٍ من بني آدم بعبادة الشيطان.
كما لم أستغرب لحظة أن أرى رجالا بعقول ومراكز وشهادات ورُتب، تتعطل فيهم ملكاتهم، وتقف عاجزة عن إدراك الحقيقة، فيقعون في اقتراف خطيئة الموقف، ويُتابعون سفرهم في الطريق المنحرف، ويظلّون على موعد مع ممارسة هواية السقوط والتردي.
هي حالات شائعة وكثيرة تلك التي يختلُّ فيها حكم الرّجل السّويّ، ويضلّ عقله، ويزيغ بصره، يخدعه سمعه، فيمارس السلوك الخاطئ الذي لا يليق بأمثاله، ولا غرابة، ففي أمثال هؤلاء، قال تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ). كان هذا في معرض الحديث عمّن لا يعتبرون بعاقبة الأمم الطاغية واستحقاقها لتلك العاقبة، رغم تواتر الأدلة والشواهد على حتمية ذلك.
فالحواسّ تعمل وتدرك ما يحدث: ترى العين وتسمع الأذن، لكن محطة التفسير والإدراك مستعمَرة بأجناد الهوى، تُزوّر ما تجمعه الحواس، وتضعه في غير محله، تحلله بغير أدواته وعلى غير وجهه.
فما يحدث في سوريا هجمة صهيونية إمبريالية؟!! والمتظاهرون المسالمون مخربون ومندسون؟!! والأطفال ينفذون أجندات استعمارية؟!! والدواب والأنعام عناصر من الموساد؟!! المنشقون عن الجيش متمرّدون لم يكونوا يوما من المناضلين وحماة الديار؟!!! والآلاف التي تهتف للحرية نبت شيطاني، ليسوا سوريين فلا أصل ولا نسب؟؟!!.
أمّا النظام فعنوان الممانعة ومعقل المقاومه؟!!! والشبيحة أبناء الوطن الأبرار، يمارسون عبادة الاغتصاب والقتل والتمثيل بالضحايا صيانة للمعبد من النجاسة؟؟!! والجيش المغوار يداهم البيوت والمساجد، ويهدم المآذن الشيطانية التي تبخُّ المكائد في آذان الأبرياء؟؟!!! والقائد فريد زمانه، حُكم سوريا وحدها قليل عليه، والمفروض أن يحكم العالم بأسره لو كان في العالم إنصاف ؟؟!!! ولو كان الأمر بيد شبيحته وجنده وحُجاج بيته لبنوا له صرحا لعله يبلغ أسباب السماوات، فيطلع إلى ذلك الإله الذي ظهر فجأة وأخذ يزاحمه في ملكه، ويصرف عنه جموعا انقطعت في محرابه ومحراب أبيه أربعين سنة.
هذا حالنا بالضبط مع قوم غلبت أهواؤهم على عقولهم فتعطلت، وفسدت قلوبهم إذ لم تتلقَ الحق من منبعه، فاتبعت الباطل، وانصبغت به، وبه تنطق، وعن حماه تُحامي، ومن سحائبه تستقي، فضلت السبيل، حتى رأت الجريمة نضالا، والذبح قربانا، والكذب قرآنا، والاستبداد والقمع فتحا وانتصارا.
مرّ عمرو بن الجموح - رضي الله عنه - في جاهليته بغيبوبة العقل هذه، فعبد صنما من خشب، وكان ابنه الصغير أسلم، ورغب بإسلام أبيه، لكن أباه لم يفعل، وكان يوصيه بالصنم خيرا، إلا أنَّ الابن قرر أنْ يعيد الأب إلى وعيه، فرمى الصنم في المزبلة ثلاث مرات، وأبوه يعيده في كل مرة، وينفض عنه التراب، حتى كانت المرة الثالثة أتاه فإذ بثعلب يبول عليه، فكانت صدمة الشفاء، فألقاه كافرا به وهو يقول:
ربٌّ يبول الثعلبان برأسه * * * لقد ذل من بالت عليه الثعالب.
ويبدو لي أن حالة أصحابنا من حُجاج كعبة البعث لا أمل بشفائها بعد كل البراهين الكفيلة بإيقاظ وعي الجمادات لو أرادت، وبعدما اقترف النظام الطاغي ما اقترف بحق خيرة أبناء سوريا، وبعد أن تجاوز حدود الهمجية والفاشية، وتعدى حدود الوحشية والحيوانية.
لا أمل في إفاقة هذه الفئة، لأن انغماسها في مستنقع البعثية، وأوهام القومية وصل حالة التشبع، مع أنهم يرون بوضوح كل خساسات الوجود ونقائصه في: السلوكيات والأخلاقيات والمنهجيات والمواقف والتبريرات تقف في صف واحد لتبول فوق مشروعهم النهضوي المكذوب بعد انكشافه على حقيقته وظهور حجم الخسارة التي مُنيت بها الأمة على يديه عند تسلمه للسلطة في مصر وليبيا والعراق وسوريا، وبما جرّ عليها من الويلات - على مدى خمسين عاما - لم تأتِ بها كلّ القوى المعادية للأمة على مدار تاريخها.
أنا لست آسف، ولن أشعر بالأسى تجاه أيٍّ كان، توهَّمْتُ فيه خيرا، أو ظننت فيه قِيما وأخلاقا ومبادئ تجمعنا، ثم خيّبَ ظنِّي وظن الكثيرين من المراقبين والعاملين لنهضة الأمة، وأنا أقرأ قول الله تعالى: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ) ( الأنفال 23 ).


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد