خربشات بريشة الاتجاه المعاكس

mainThumb

04-11-2011 07:44 AM

لست معنيا بالدفاع عن الأستاذ سفيان التل، ولا بمناكفة السيد محمود الخرابشة، فلم ألتقِ الرجلين في حياتي، ولا علاقة تربطني بأيّ منهما، غير أنني سأدور في فلك الحديث الذي جرى بينهما في برنامج الاتجاه المعاكس، رادًّا بعض الشبهات والخلاط التي أثيرت، ولم تُتح للمشاهد الوقوف على حقيقة الأزمة بوضوح وشفافية.

شرح سفيان التل الإطار العام للمطالب الإصلاحية التي تكاد تتفق عليها كل اللجان، والحراكات الشبابية والشعبية والحزبية في الأردن. طرحها بأسلوبه الذي اضطره إليه الخرابشة اضطراراً، وقد لا نتفق معه في بعض جزئياته.

غير أنّ الاستماتة التي أبداها الخرابشة في الدفاع عن الوضع القائم، ومهاجمة المعارضة بكل تلاوينها، ووصفها بالعدمية والسوداوية، والسعي لتشويه صورة النموذج الأردني والتجنّى عليه، والتنكر لمنجزاته – دفعني إلى محاولة تفنيد ما ذهب إليه، واعتمد عليه في هجومه غير الموضوعي واللامنهجي:
         - لست أدري حقيقة ما قول السيد الخرابشة في التصريحات الناقدة لسمو الأمير الحسن في أكثر من مناسبة، في شأن الخصخصة، وسياسات النظام،  وطريقة صنع القرار، وخطط التنمية، وتجاوزات المخابرات؟؟!! أم أن الأمير الحسن متهم في ولائه، ويتكلم من منطق عدمي سوداوي كقوى المعارضة.؟؟!!
  
    - لقد كرر الخرابشة وبشكل قاطع أن نسبة 99.9%من الأردنيين يدينون بالولاء للهاشميين، وأنا لا أدري ما الأدوات التي اعتمد عليها السيد الخرابشة في القياس للخروج بهذه النتيجة، لنسجل له بها براءة اختراع، نسعف بها النظم المهدَّدَة في كيانها، كوسيلة قياس آمنة، قبل أن تقع الفأس في الرأس.؟؟!!
     - إن مثل هذه النسبة تعتبر في حد ذاتها إدانة لأيّ نظام يدّعيها، وكافية لإسقاط مصداقيته، وهي ذاتها التي أعلنتها الأجهزة الأمنية في دولة زين العابدين، ومبارك والأسد وعلي صالح، قبل شهور قليلة لتظهر الوقائع على الأرض غير ذلك، ولتصبح - هذه النسبة - نكتة تُضحك الدنيا علينا، وعلى أنظمة حكمنا.
  
   - يا سيدي لا خلاف عند الأردنيين على حكم الهاشميين ولا اعتراض، لكن اختزال الشعب الأردني كله بهذه الصورة، وتجريده من أدوات الفعل والاختيار، وتذويب شخصيته، وإلغاء حضوره في معادلة الحكم فيه إهانة بالغة للشعب الأردني، والنظام الملكي على السواء، لأن هذا الطرح يلغي العقد الاجتماعي والأخلاقي الذي أسست عليه الدولة.
 
    - مشكلتنا في الحقيقة ليست مع الهاشميين، وإنما مع الذين يرفعون لواء الهاشميين زورا وبهتانا، ويجعلون المطالب الإصلاحية – بالعسف والإكراه– نقيضا للولاء والمواطنة، وهذا مسلك خبيث ابتكرته قوى الفساد لتعطيل المسيرة الإصلاحية، بالخروج من إطار الطرح الموضوعي المبني على أسس وأدلة وبراهين، إلى الطرح الظني الاتهامي المبني على التحريض، ونقل الحديث عن المناهج والسياسات إلى الأشخاص والهيئات، وتغذية الشُّبه والنعرات، أملا في إسقاط المشروع الإصلاحي، وتجديد شباب الفساد بثوب الولاء وحماية العرش.
      - لقد شدد السيد الخرابشة على ديمقراطية الأردن، وارتفاع سقف الحريات فيه، وهو يعلم يقينا أن هذا الكلام غير صحيح، وأن الأردن كباقي النظم العربية لم يكن ديمقراطيا ساعة من نهار، لكن معرفة النظام بتركيبة الأردن، وبنيته الاجتماعية سمحت له بالحيِّز الذي يزيل الاحتقان، ولا يعطل السياسة الرسمية وأجندتها في نفس الوقت.
    
- ثم دافع السيد الخرابشة عن جهاز المخابرات، ونفى تدخله في الشأن السياسي والمدني، واتهم معظم رؤساء الحكومات بالضعف، وحملهم مسؤولية توريط المخابرات بهذا التدخل، وهو يعلم أكثر من غيره أن المخابرات تحكم الأردن، وتعين كل وزرائه وسفرائه ومدرائه العامّين، ورؤساء وأساتذة جامعاته العامة والخاصة واتحاداتها الطلابية، وتدير العملية الانتخابية النيابة والبلدية، وتفرز مجلسي النواب والأعيان، وتقرر البعثات الدراسية، وتعيين خطبائه وأئمة مساجده، وتطور الأمر إلى حد دخول الجهاز لعبة التجارة، وتبادل المنافع مع أقطاب الإثراء السريع، وكان من ثمار هذه السياسة تعاظم المظالم، وتزايد مشاعر السخط، الذي بدأت مظاهره بالتنامي والإنذار بالخطر.

   - وتحدث سعادة النائب عن التعديلات الدستورية وقانون الانتخاب، وهو يعرف أكثر من غيره أن المشكلة لم تكن يوما في النصوص التشريعية، بقدر ما كانت في آليات التنفيذ والمتابعة ومنهجية الحكم. فما قيمة الكتاب المقدس ( قرآنا وإنجيلا وزبورا) إن كان مجرد سطر في كتاب، وترنيمة في كنيس، أو بيانا في صحيفة، وتتوقف صلاحيته عند حدود رغبة أحد الرؤوس الكبيرة التي استوطنت محراب الحكم، ومنبر الولاية.
   - يقول السيد أن الملك يقود مشروع الإصلاح بنفسه، وهو على يقين أنّ لا شيء مما يتبناه الملك يتحقق على الأرض، وهذا يفاقم المشكلة، ويزعزع الثقة، ويورث الإحباط السلبي، ويؤسس لأزمة تتعقد في كل ساعة تأخير عن تحقيق الخطوة المنقذة.
  
 - كما نفي وجود البلطجة، وعزاها إلى الخطوات الاستفزازية التي تسبب بها الحراك المعارض، والحقيقة أنها موجودة وبرعاية رسمية، فضحتها الوقائع، وصرح بها أصحاب سموّ ومعالٍ وسعادة.
   
 الكلام يطول، لكنني أرى أن الأصوات التي تواجه المشروع الإصلاحي قليلة، ولا رصيد لها، وهي في مسلكها الناشز متهمة ومدفوعة بمصالحها الذاتية، ومكتسباتها من الوضع القائم، لا بدافع المواطنة والغيرة على العرش، بل تتخذ من العرش وسيلة لتمرير برنامج الانتفاع وضمان ديمومته، وتزوّر على صاحب العرش الحقائق، بمحاولة التقليل من شأن الحراك التنويري، وهذه الفئة في حقيقة الأمر هي الأخطر على مؤسسة العرش، ومستقبل الدولة ومصلحة المواطن. وكلّ الظن أن المعادلة باتت واضحة، واللعبة مكشوفة، ولن تجدي معها كل وسائل الالتفاف والتحايل.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد