المسعورون علمانيا

mainThumb

24-11-2011 06:59 PM

لن أخوض في أصل التسمية ولا في ظروف نشأتها، فقد كُتب فيها من الأدبيات ما يغني لمن طلب الحقيقة، أما العابثون الجدليّون فالوقت أثمن من أن نستمرّ معهم فيه بالجدل العقيم.

ربما وجدنا للعلماني في بلاد نشأتها طعما أو لونا، أو بقية من معالم أخلاقية يبنون حياتهم عليها، ويأتون سلوكاتهم في إطارها، لكن المصيبة كل المصيبة فيمن يدّعيها من أبناء جلدتنا، وهم فارغون إلا من ساقطات الصفات، ومُتردّيات القيم، ونَطيحات الحياة، وهم تَبَعُ كُلِّ سائبة، وجالبو كلّ بحيرة ووصيلة مناقضين صريح الشرع فيما يُروِّجون إليه من أرواث الفكر، وفضلات الفهم: (مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ) (المائدة : 103 ).

هم الفئة الخائرة التي تحكي في مسلكها عجل السامري، حين يقفون في طرقات نهضة الأمة، ليُعَوِّقُوا المسيرة، ويؤلّبوا القوى، ويحشدوا الرأي العام لوأد بشائر أسلمة المجتمعات، بعد دهر عقيم حكمت به العلمنة، وحليفاتها من النظم المستبدة: (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ) (طه : 88 ).

لا أدري لم تذكرني الكلاب على الطرق السريعة بالمنهج العلماني في تعامله مع كل ما هو إسلامي، خاصة حين تربض وتتهيأ للهجوم على السيارات المسرعة بالنباح والعدو معا، لكن دون طائل، وكثيرا ما تنتحر تحت العجلات، ولا تتعلم مثيلاتها الدرس، بل تكرر التجربة مرارا وبلا كلل.

إنه المشهد الذي تعكسة ردود أفعال هذه الفئة خاصة فيما أفضت إليه الثورات العربية المباركة في كل من مصر وتونس وليبيا والحبل على الجرار، ولا ترى مِن هؤلاء إلا مَن عصب رأسه، وجدع أنفه، وطال لسانه فتدلى حتى عثرت به قدماه، ودخلوا في حالة من الهستيريا: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (المنافقون : 4 )

الحرب التي شنها المستشرقون منذ ما يزيد على القرن ونصف القرن على الإسلام، وتبناها وحمل رايتها العلمانيون، لم توهن صخرة الإسلام ولم تضعف قواه، بل حطمت القرون الواهية للعجول الناطحة، وهدمت قوتها، فما عاد لها قدرة على استمرار النطاح، فلجأت إلى الخوار، وبذرت الدمع، وبكت على الحداثة، وخوّفت من الظلامية والظلاميين، وتباكت على القيم الإنسانية العليا التي تسربت من بين أيديهم لتحتشد في صف الديني، وتعلن الولاء للإسلامي.

لم يطرح العالم المتحضر اليوم قيمة، أو يقرر مبدأ، أو يؤسس لفكرة جامعة تلتقي عليها القيم الإنسانية العليا في الحياة الاجتماعية والسياسية، والأخلاقية والإدارية والنفسية، إلا وجاءت ملتقية مع الإسلام ومنسجمة معه، وقابسة من سناه، ومستمدة من جدوله الفياض.

يتكلم هؤلاء في الحرية وهم أعداؤها، وينادون بالديمقراطية وهم معطلوها ويدعون المدنية وهم عنوان القمعية ومنبعها.
تناقشهم في الأصول فيهربون إلى الفرعيات، وتطرح عليهم الكليات فيغوصون في الجزئيات، وتبسط لهم الجوهري فيتشبثون بالشكلي، وتفحمهم بالحجج، وتفضحهم بالبراهين، وتضع لهم مرآة الحقيقة تبدي قبح ما يقترفون، فيتهموا المرآة وهم في الضلالة يعمهون.

هذه الفئة من الناس هي الأكثر نشوزا عن الخط الإنساني، والأقدر تجسيدا لكل ما هو حيواني، والأشد عجزا في تمثّل السمو الروحاني،  والأبرع في تعظيم المادي، والتهالك في الدوني باسم الحداثي.

ليس العلماني عندنا إلا أحبولة شيطان، تُنشطُ بها العقول الفارغة، والقلوب المريضة، لتخرج من قدسية الإلهي السماوي، إلى خبث الأرضي الشهواني.

كنت أتمنى لو كان في طوقنا إنتاج عقار يعالج السعار الذي يعاني منه هؤلاء تجاه كل ما هو إسلامي، كما يعالج داء الكَلَب، لكن ليس بمقدورنا فعل ذلك، ولا نملك معهم إلا أن نتركهم لقدرهم المحتوم: استقذار الشعوب، وفجأة علاّم الغيوب:( قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (آل عمران : 119 ).


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد