المنسف .. والاشاعة !

 المنسف ..  والاشاعة !

18-03-2012 08:16 PM

ذات مساء، وانا اتصفح بعض الصور القديمة استثارتني صورة معينة ذات علاقة بحادثة لها مغزى، وكانت مناسبة قدوم اهلي للتعرف على زوجة اخي الاجنبية والسلام عليها، طبعا هذه المناسبة فرضت على اخي التحضير لعزومة مناسبة ، واثناء انهماكه بتحضير لوازم العزومة سألته زوجته عن عدد المدعوين فقط دون زيادة او نقصان، وعبثاً حاولت واخي افهامها انه يتوجب تحضير الكثير من الطعام، لدرجة ان يُرفع الطعام دون ان يشعر الضيوف بانهم اكلوا شيئا يُذكر والا فسوف يُتهم اخي ويُشهّر به على انه بخيل ولا يكرم الضيف. 
 
وكم كانت دهشتها عندما علمت بان معظم الطعام الزائد سوف يلقى الى حاوية النفايات. وقد باءت جميع محاولاتنا افهامها بمعنى الكرم العربي، الا انها لم تفهم منه الا اسراف وتبذير لا طائل تحته، وهي نتاج عقلية براغماتية " ما لا يحقق منفعة فهو غير صحيح ". وعندما حاولت الدخول لقناعاتها من زاوية اخرى وهي ان اخي مضطرا لذلك حتى لا يُشاع عنه انه بخيل، فنحن نقيم وزنا كبيرا لما تقوله العشيرة والناس عنا، ولكن ذلك لم يجد فتيلا معها حيث كان ردها: ان هذا جنون اذ كيف يقبل الانسان ان يلغي رغباته وذوقه، او على وجه الدقة ان يلغي معظم جوانب حرياته الشخصية والعامة خوفا مما يمكن ان يقوله الناس؟ وسألتْ: هل يَهبّ الناس لنجدتك اذا ما افلست او استدنت حتى ولو من اجل طعامهم؟!
 
وبعد ان قلبتُ حديثها وبعد مرور من هذا الزمن ادركت كم هو محاصر الانسان في مجتمعنا، حيث تتآزر اكثر من جهة لمصادرة حريته الشخصية سواء في المأكل او المشرب او الملبس او التفكير والرأي ...الخ.
 
كما تبينت خطورة الاشاعة حيث يسهل على اي شخص الاساءة لمن يريد وبالتالي يصبح من السهولة اغتيال الشخصية اجتماعيا او سياسيا او فكريا من خلال بث الاشاعة، وتزداد خطورتها اذا لاقت تسهيلات في ترويجها من خلال الكتابة او الاذاعة، حيث لم يعتَدْ الناس عندنا على التحليل والتدقيق والتمحيص فيما يقرأون او يسمعون، وهذا نتاج التربية سواء في البيت او المدرسة او المجتمع، حيث لا يسمح للانسان عندنا في كثير من الاحيان ان يناقش من هم اكبر سنا، كما ان المناهج المدرسية التي تعتمد التلقين وكذلك الاعلام الرسمي ومواعظ بعض رجال الدين كلها منزهة عن الغرض ولا تحتمل النقاش!!
 
وهنا اتذكر بالاجلال عميد الادب العربي الدكتور طه حسين عندما تمسك بالشك الديكارتي منهجا للتحليل مقسّما الناس الى صنفين، صنف بليد لا يتعِب عقله في فحص ما يُلقى عليه، واخر يقدح ذهنه ويتعبه بالتحليل والمناقشة ولا يدخل عقله الا ما بقي في غربال الفكر بعد ان يكون قد اسقط كل ما لم يقتنع به، وللاسف هذا النمط من الفكر لاقى عنتا شديدا في حياته، وحتى الان كم اشعر بالالم وانا اكتشف خلو ارفف معظم المكتبات العامة عندنا من مؤلفات ابن رشد والمعتزلة وغيرهم.. وغيرهم.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد