تعدّدت الضرائب والضحية واحد

mainThumb

23-04-2012 11:32 PM

  وهذا الواحد هو المواطن التي تفقأ عينيه تلك الضرائب بمسميات متنوعة مختلفة؛ ظاهرها تقديم خدمات حُرم منها أو غيره، أو تحسين هذه الخدمات. فجميع الفواتير التي يدفعها المواطن موشّاة ومزيّنة ومحلاة ومطرّزة بضريبة أو أكثر، وإن عجزت القواميس والمعاجم اللغويّة عن العثور على مسمى، فلن يعجز المسؤولون ذلك؛ فابتدعوا مسمى( ضريبة مضافة، أو ضريبة على الضريبة). وإن حاورت المسؤول وجادلته في مشروعية هذه الضرائب ومسمياتها فسيبادرك بالمادة والقانون، وسيعرط عليك بالتكافل الاجتماعي، وشدّ الأحزمة، وتقدير الظروف، والواجب نحو الوطن.

   عدّ وراي، الله لا يهينك: فلس الريف، ضريبة تلفزيون، ضريبة مجاري، ضريبة صرف صحي( دير بالك، هاي بتختلف عن هظيك) جامعات، خلويات، مبيعات، دخل، ضرائب مضافة ورسوم أُخرى، ترخيص، بناء، تزفيت وتعبيد، والعشرات العشرات مما يدعى ضريبة أو رسما أو إيرادات ومخالفات...
 ووووفي كل ذرة شهقة وزفرة يغامر بإخراجهما المواطن قبل تركيب عدّاد( ضريبة تركيب) على الفصّين الأيمن والأيسر للرئة يحتسب مدى الشهقة التي قطعت لتضاف على الزّفرة بدل العودة بالسلامة والمعافاة( ضريبة فكّ وتركيب) حيث من الممكن أن يتمادى المواطن فيأخذ بالتثاؤب فاتحا فكّيه؛ عندها؛ فضريبة الفكّ والتركيب لها مسوّغ قانونيّ صرف، أي بحت. ومسوغ آخر هو أنّ التّثاؤب من عمل الشيطان.
  وأخذا بمبدأ المناصحة والمشاورة فإنّ هذه الأضحية والضّحيّة تقدّم مقترحا لبعض الضرائب التي غابت عن الأفاضل المشرّعين والاقتصاديين في البلد. ومن هذه الضرائب المستحدثة ضريبة تدعى ضريبة( النّيّة)، والتي تفرض على من تسوّل له نفسه يوما ما، أو يبيّت النّيّة لشراء بيت يتكون من غرفتين وجوفيّة( برندة زغيرة) في أحلام يقظته. تفرض عليه برقم مرقوم حتى لو كان هذا حلما بعيد المنال، بعد أن تكاملت أركان هذه النية المبيتة من صور وخيالات ورؤى اقترفها كي لا يعود مرة أخرى إلى مثل هذه الفِعْلة الشنيعة.
أضف إليها ضريبة( التّشميت) التي تستهدف فيمن تستهدف من عطس فحمد الله، حيث تؤدّى هذه الضريبة  قبل قولنا: يرحمك الله مرة أو ثلاثا. فالتشميت دلالة على أن العاطس يتمتع بالصحة والعافية اللذين يعدان مبررين كافيين لفرض الضريبة عليه إلى يوم الدين.
   إذن، والحالة هذه، فإن المنطق السائد بيننا هو منطق التّحايل؛ الحكومات المتعاقبة والمشرعون يتحايلون على المواطن ويستغفلونه بذاك الكمّ الهائل من الضرائب المسمّاة وغير المسمّاة، وفي الوقت نفسه قد يضطر المواطن على التحايل من خلال التّهرب والتهريب والهروب. منطق أعوج من كلا الطرفين البادئ فيه جهابذة الحكومات وخبراؤها ومستشاروها. منطق أسقط وجفّف أي بذرة ثقة بين هذين الطرفين؛ جلّاد ومجلود. ضرّاب ومضروب وما بينهما ضريبة.
اتقوا الله أيها المسؤولون؛ نبّشوا ونقّبوا عن فلس الريف الذي أقرّ العمل باستيفائه من أكثر من ثلاثين حولا ، والذي يربو على عشرات الملايين، أين مقرّه وقراره. فلربما تجدون معظمه مثلا يصرف كمكافآت وعلاوات ووو... للسكرتيرات والأمناء العامين ولذوي المناصب الوظيفية الرفيعة- مثلا. نبّشوا ونقّبوا عن ضريبة المجاري والصّرف الصّحي التي تفرض على عشرات الآلاف من المواطنين في القرى والأرياف والبوادي والمخيمات التي لا تتوافر عندهم مثل هذه الخدمة. تحققوا من هذه الضريبة التي  تدفع نفسها مرتين؛ الأولى على فاتورة المياه والأخرى على ضريبة المسقفات. تحققوا من ضريبة الجامعات التي دفعناها وما زلنا منذ أربعين سنة، وبعد أن نجح أبناؤنا في الثانوية العامة درسوا في الجامعات الخاصة والأهلية أو الموازي. ارتقوا ببرامج التلفزيون بدل الضريبة المستوفاة لعله يتحرّر من راس غليص، ومسرحية العيال كبرت ترفيهيا.  وينعتق من البرامج الحوارية التي لا تعرف لها وجها ولا قفا.
أما آن لكم أيها المسؤولون الأفاضل- ونحن في ربيعنا الأردني- أن تخيطوا بمسلة أخرى غير المسلّة القديمة!!!


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد