عون الخصاونة .. نجاة قبل الغرق

mainThumb

29-04-2012 11:52 AM

 حتى الأطفال والعجائز في بلدي يعرفون أن الحكومات عندنا لا تحكم, وربما لم تحكم يوما، ولن تحكم مستقبلا في ظل العقلية التي تقوم عليها منظومة الحكم، والنهج الذي سارت عليه منذ النشأة الأولى إلى هذه الساعة.

 

كل الحكومات التي شُكلت في ظل الظروف الطبيعية أو الطارئة لم تخرج عن هذا التوصيف، إذ لا تَتبدل سوى الوجوه، مع بعض اللمسات التجميلية لاحتواء الوضع، وعُبور العقبةِ على خير، وإلاّ فكلّ شيء على حاله، وكلّ " تيّان بتينه"، كما يقولون، والمواطن المسكين فهمان!! لكن "على بَلواه ربّه يعينه".
 
قلت للخصاونة في مقالتي(هل يفعلها عون)، ومنذ البداية لن تكون الأمور بالسهولة التي تتوقعها، رغم التطمينات الشفهيِّة بامتلاك حيِّز واسعٍ من الصلاحيات.
 
لكن منذ أن بدأ الرجل مشواره، ومِن تصريحاته الأولى بدا واضحا أنه " مَاخِذْها جَد " وأنه سيعمل باستقلالية، وسيجتهد أن يكون " شوْرُه مِن راسه، لا مِن رأس غيره" وفق قناعاته وخبراته ومؤهلاته وتجاربه في الغرب الديمقراطي الحي.
 
لكنّ الرجل وقع  في عثراتٍ منذ أن شرع بتشكيل حكومته، وطريقته التي اعتمدها، وما رافق ذلك من " ميل  فطري للقرايب والشأن الخاص " - وإن كان تافها شكليا - رافقه حوار جادٌّ مع القوى المؤثرة على الساحة "الإخوان تحديدا" مما شكل فرصة لِلَيِّ ذراعه، وإطلاق الهجومِ المضاد عليه قبل " ما يفحج فحجة واحدة لَقُدَّام "  فأُطلقت في وجهه الأقلام ووسائل الإعلام، والمحطات التي لا تملك إلا بضاعة واحدة تتمثل بـ: "هلا هلا بك ياهلا " و " إحيَّهْ إحيِّه"  أو " الدّحيّة الدّيحّة" على لغتين، و" شَمَّلتْ والنِّية.." و " قَبَّلتْ والنِّية..." و" السَّح الدَّح امبو الود طالع لَبُوه".
 
لكن الرجل حاول المُضي، ولم يلتفت للوراء، واجتهد أن يقوم بعملية موازنة، يجمع بها بين ضغط حكومة الظل ومطالب الشارع في وسط الطريق،  فبلعَ على مضض أحداث المفرق، وعاند المعلمين ما وسعه العناد، وفتح مَدْبرة الهيكلة، ورضي بـ " تطنيشه " في قضية معتقلي الطفيلة والرابع، ورضخ للإملاءات الشبحيّة في القانون المسخ قانون الانتخابات النيابة، لكنه رأى أن عملية " تطنيشه" مستمرة، وإنّ سيل التنازلات والانصياعات لن يتوقف، وأنه سيدخل في النهاية في عداد الحكومات الكرتونية، التي تُمَرَّرُ بها السياسات المرسومة سلفا، لتتحملَ هي مستقبلا مسؤوليتها التاريخة عنها، فقرَّر القفز قبل أن يدركَه الغرق وفي اللحظة الأخيرة.
 
 تأخر الرجل كثيرا وكان بإمكانه أن يخرج مبكرا وبأضرار أقل، لكننا أخلاقيا وأدبيا مضطرون أن نُحيّي الرجل الذي احترم نفسه، وحرص على أن يكون منسجما متوائما مع ذاته، أمينا مع مواطنيه، فرفض أن يكون له وجهان ولسانان، أو قل باختصار: رفض أن يخالف قناعاته في الإصلاح بتمرير الإملاءات التي لا تُغيِّر الواقع الذي جِيء به لتغييره، بل تُكرسه وتثبة.
 
أراح الخصاونة حكومة الظِّلِ مِن مؤونة استبعاده بشكل مباشر، فأبعد نفسه، وترك لمؤسسة الحكم فرصة كي تأخذ نفسا عميقا، ثم تفكّر ألف مرة قبل أن تأتيَ بشخصية عنيدة حرون " لها فم يتكلم وعقل يفكر" ، فتُتْعِبُهم وُيتعبونها، ولتأخذَ الطريق من " قُصره "، وتلجأ بلا تردُّد إلى الصندوق القديم، المملوء بالبصمات والأختام الجاهزة ، والدُّمَى التي لا تُجيد إلا  " نعم.. تمَّ .. وصار ".
 
أهنيئ - سلفا - الشعب الأردني باصلاحاته التاريخية المرتقبة على يد حكومة الطراونة قبل تشكيلها، وعليهم جميعا أن يتجهَّزوا للاحتقال والتّعبير عن الفرح، والإسراع بشراء المفرقعات النارية، قبل أن ترتفع أسعارها مع موجة الحر القادمة.
 " و أوي أأأأ ...   وارقصيله يهلاله،  " و أوي أأأأ ... وقطع المَيَّه شمال.. لِ لِ  لِيييششش ".
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد