المحامي حرامي

mainThumb

16-05-2012 10:09 AM

    اللهم لا شماتة، ولا استعجال في الأحكام، لكنَّ ما يجري يؤشر إلى مدى ما وصلت إليه الحال في البلد المنكوب الذي تهدَّمت فيه جميع الثوابت الأخلاقية والسياسية والإدارية، وانهارت فيه كل موجبات الثقة عن قصد وإصرار.

     هيئة مكافحة الفساد في النهاية هيئة رسمية، تمثل مؤسسة الحكم،  فهي ابنتها الشرعية، ومندوبها السامي للشعب الأردني، لتهدئة الخواطر، وإعادة الحقوق المسروقة، وكان مِن المفترض أن تقوم بواجبها كما ينبغي أن يكون، وكان بإمكانها أن تنال ثقة الناس لو تعاطت مع ملفات الفساد بموضوعية وشفافية، لا بانتقائية ومزاجية.
 
    ورغم القصور الذي ظلل أداء الهيئة إلى الآن، إلا أن مُعامِلات الفساد المتنفّذِ في الساحة الأردنية، وأذرعه الطويلة تأبى إلا أن تُجهز على بصيص الأمل في أي توجه نحو أي تعديل - ولو شكلي - في النهج السياسي استجابة لصوت الشارع، ومقتضيات التحول في المنطقة، وتريد للأردن أن يكون استثناء في محيطه، وكاسرا للقاعدة العامة، فتعمد إلى ضرب المصداقية في كل المؤسسات التي تُظهر أدنى قدر من التجاوب مع نبض الشارع:
 
لقد أجهزوا فورا على مخرجات لجنة الحوار الوطني قبل ميلادها، مع أن عرّابي اللجنة هم مِن ركائز النظام، ومؤسسة الحكم ذاتها.
 
كما حوصرت حكومة الخصاونة وتم إعاقتها إلى درجة الشلل، وتُجوهلت وطُنّشت عند مِحكَّات مفصلية تُعد مِن صُلب اختصاصها، حتى فَرَغَتْ كأسُ صبرها، وأعلنت استقالتها وهي شريدةٌ طريدة خارج البلاد، مع أنها أيضا ابنة النظام وسليلة مؤسسة الحكم.
 
مجلس النواب الذي هو ممثل الشعب، والرقيب على الأداء، والمحاسب على الأخطاء، تحول إلى مجموعة مِن الدّمى التي تُحرك بالخيوط الخفية، بعد أن تم تزويره منذ عام 1993م إلى الآن، ليضع أمام الشعب  الأردني نموذجا للإنسان الوصولي الفارغ والانتهازي، الذي هو جزء مِن المشكلة، فتحول مِن ممثل الشعب إلى ممثل على الشعب، وممثل للحكومات المطيعة، وناطق إعلامي باسمها ، ومحامٍ عن الفساد والفاسدين.
إضافة إلى المحاولات المتكررة لحرق وشطب واغتيال الشخصيات، التي تُبدي قدرا مِن الاستقلالية في الرأي والقرار، فتحيد عن الخط المرسوم، وتعلن موقفا مغايرا لما  تتبناه حكومة الظل الخفية، إذ سرعان ما تنطلق في وجهها الألغام الإعلامية، والرَّدح الرخيص - الذي شكل النواب جزاء من أدواته - إلى أن  تتراجع هذه الفئة عن غيّها، أو تُعزل تحت طائلة الضغط والتشويه، وهذا ما حدث فعلا مع الشقران حامل ملف الفوسفات، ومحمد نوح الوجه الناشز عن مقاييس الحكم، والناطق الإعلامي باسم الحكومة السابقة راكان المجالي،  ويمكن إدراج ما يحدث الآن مع سناء مهيار ضمن هذه السلسة.
 
    منذ مدة وإشارات تأتي من هنا ومن هناك تقول: إنّ سميح بينو نفسه تشوبه قضية فساد يلوح له بعضهم بها، كنوع من الردع المبكر،  وما سناء مهيار في تقديري إلا رسالة أخرى في ذات الاتجاه، وأنا كأردني لا أعرف الشخصيتين، فلا أتهم ولا أبرئ، مع كوني لا أثق بكل مَن وما يأتي مِن الجهة الرسمية عموما، والتي أظنها( أي الجهة الرسمية ) باتت تضيق ذرعا حتى بأعضائها الذين يريدون العمل في حيز ولو محدود من الحرية والاستقلالية وربما الأمانة.
 
   هي دعوة صريحة للشعب الأردني كي يستسلم، ويرضى بالأمر الواقع، وهي دعوة تعلن بوضوح أن الخرق اتسع على الراقع، وان المحامي حرامي، وأنه لا جدوى مِن الإصرار على إحداث التحول الجذري، فما جدوى " مبخر بين ألفي فسّى ".. هذا مجتمعكم أيها الأردنيون، الواحد فيه كالمستغيث مِن الرَّمضاء بالنار.. والأسلم للجميع توفير الجهد والرضا بالمقسوم!!
 
   أنا كأردني وبصراحة أشعر أن المنظومة المسيطرة على إدارة الدولة منذ ( 40 ) سنة (ما بعد وصفي على الأقل) إلى الآن؛  مسئولة بصورة أو بأخرى عمّا آلت إليه الأمر، ويجب مساءلتها عن كل القرارات التي اتخذت في حينها على مدار السنوات الفائتة، بينما يجب إدانة الذين تولوا المناصب الكبرى في الـ ( 12) سنة الأخيرة في الشؤون السياسية والمالية والاجتماعية حتى تثبت براءتهم.
 
   إن جميع الأردنيين المصنفين تحت بند المعارضة أو الولاء أو الأغلبية الصامتة تؤمن بمقولاتٍ مِن جنس:  "المحامي حرامي " .. و "حاميها حراميها" .. و "والقاضي خصم". لكن المعارض( أعني للفساد) حالمٌ بالتغيير الإيجابي،  والموالي(تجاوزا) منتفع بالولاء. والصامت خائف من القادم المجهول، والله المسلم من العواقب.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد