أفيدونا .. مَن سرق البلاد والعباد؟!!

mainThumb

18-05-2012 06:07 PM

 سؤال يعرف الشَّعب الأردني إجابته على وجه الإجمال، وليس مطلوبٌ منه أكثر مِن ذلك، أمّا المحَيِّرُ في الأمر، والذي يحتاج إلى تفسير، فهو إصرار النظام على التَّذاكي والاستمرار في تجاهل الإجابة التفصيلية عن السؤال، وهو المعنيُّ الأول والأخير بها، ولن تنفعه حالة المراوغة والمماطلة التي يمارسها منذ عام ونصف العام على أقل تقدير.

التعديلات الدستورية الشكلية، وهيئة مكافحة الفساد، وتمثيليات المحاسبة، والإحالة إلى النائب العام، والاعتقال والتوقيف، ثم التكفيل أو رفضه، ويتبع ذلك الرّدح الإعلامي بالشفافية والمصداقية، ثم إماتة القضايا، وطمس معالمها، وطي الملفات، والتبرئة الفاضحة لرؤوس الفساد، كلها لا تعني للمواطن الأردني شيئا، ولا تبدل شيئا مِن قناعاته حول حقيقة ما يجري، وتصوراته لطبيعة مأساته مع مسؤوليه، - وأقول: (مسئولوه) تجاوزا؛ لأنه لم يختر يوما مسؤوليه في حدود ما عايشته، أو قرأت عنه في الأربعين عاما المنصرمة .
 
المواطن العادي يعرف أنّه في منطق الإدارة لأية مؤسسة في أبسط صورها، وعلى مستوى بقالة صغيرة أو بسطة خضار يجب أن تخضع هذه الإدارة للتقييم مِنْ الشركاء وأرباب العمل آخر كلِّ نهار ، حيث يتم التعرف على الوارد والصادر والنفقات والأرباح والمعيقات..، وبناء على النتائج يُحاسب القائمون على المصلَحة فيُشكرون إن أحسنوا، ويُعزلون ويُستبدلون إن قصّروا، و يُحاكمون ويُحاسبون إن أساءوا واعتدوا.
 
لا يمكن بعد اليوم إقناع المواطن، أو استغباؤه - حتّى الذين في البوادي والحقول - إلى حدِّ تحويله إلى مجرد أجير يجلس على رصيف شركة الوطن، التي يغتصب مكتب إدارتها مجموعة مِمّن يُمارسون دورَ الْمُلاّك الحقيقيين، ويتصرفون في مقدّرات الأردن ويديرون عجلتها حسب مصالحهم، ويتقاسمون الأدوار، ويتوارثون المواقع، ليطلعوا علينا بين عشية وضحاها، ويعلنوا أن مؤسسة الوطن قد سُرقت؛ هكذا مِن مجهول، وأننا نقف على حافة الإفلاس، وعلى شَفير والهاوية، وعلى أصاحب الشركة الجالسين على الرصيف أن يتحمّلوا مسؤولياتهم، ويهبوا لنجدة مؤسستهم (الدولة) التي تحتضر، بضخ المزيد مِن السُّيولة قبل جفافِ العروق وفوات الأوان. 
 
المواطن يدرك أن عمليات الاختلاس المالي، والفساد الإداري، والاختلال السياسي، وغياب الأمانة، وسوء توزيع الثروة، فقدان العدالة في كل شيء، كانت موجودة طوال السنوات الفائتة، لكنها اتخذت منحنىً خطيرا في السنوات العشر الأخيرة وكان أخطرها، تحطيم البنية الاجتماعية والنفسية للمواطن الأردني (خلق المواطن النفعي الوصولي غير المنتمي)، ثم النهب المنظم الذي أتى على أصول الدولة ومؤسساتها السياديَّة، وموارد دخلها الرئيسة.
 
ليس جمهور المواطنين مسؤولا بحال عمّا آلت إليه الأمور إلا بمقدار سكوتهم وصمتهم على ما يجري أمام أعينيهم، مما أغرى فريق الاستحواذ (الاغتصاب) بالإمعان في مشروع التصفية ليتوقف عداده عند حد (20) مليار دولار مِن المديونية، ولتصل سكين الذبح إلى العظام، وتبلغ الأمور إلى الحد الأقصى الذي لا يمكن احتماله في مستوى الاقتراض الداخلي والخارجي على السواء.
جلس الشيخ كــعادته في المسجد يعظ تلاميذه مِن مُصحفه، حتى بكى وأبكى الجميع؛ لكنه افتقد لحظتها مُصحفه فسألهم عنه، فلم  يجبه أحد، فكرر السؤال فتجاهلوه، فقال متعجبا ساخرا: كلكم يبكى تُقىً، فمن سرق المصحف إذن ؟! لكنه يعرف وإنهم ليعرفون كما يعرف.
 
إنها مأساتنا لكنها جاءت مقلوبة معكوسة، فنحن الذين سلَّمنا شيوخنا(مسؤولينا)، أمانتنا ومصاحفنا يدا بيد، أودعنا في عهدتهم وطنا كان اسمه الأردن؛ لكنهم استهلكوه حتى أهلكوه، ثم أطلُّوا علينا بعد شوطٍ يسألوننا، وهم يبكون: مَن سرق الوطن؟؟!.. والإجابة عندهم لا عند غيرهم.
 
إنها مأساة الأمة مِن محيطها إلى خليجها، أعمى الله فيها أبصار أقوام فأوردوا أنفسهم وأهليهم دار البوار، وهدى الله أقواما، فوفروا البلاء، وخفضوا الكُلفة، وعدّلوا المسار، وتوافقوا على ما يجلب الإنصاف، ويوقف الانحدار.
 
هما نموذجان لا ثالث لهما، ونحن - ولو بعد حين - صائرون إلى أحدهما، فما الذي يختاره النظام لنفسه، ولشعبه بجرأة وبمسؤولية؟؟!!فما زال القرار بيده.
الشعب يعرف مَن سرق المصحف، وهم يعرفون تفاصيل السرقة، ولن يصبر الشعب طويلا على استرجاع مصحفِه:(سلطتِه ومقدراتِ وطنِه). 
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد