إهانة الشعب مسلسل الغثاء الطافي

mainThumb

06-06-2012 12:25 PM

 أنها ليست مجرد سقطات ولا عثرات لسان، تلك التي تنساح في أفواه رموز النظام، وممثليه، والمنافحين دونه، في وصف الأردنيين بأوصاف مقذعة تنم عن حقيقة مطلقيها، ومستواهم الذي تم تغليفه بطبقة لامعة من الألقاب الفارغة والهالة الجوفاء.

هؤلاء الذين يتحدثون بلغة غريبة على الأدب والخلق الرفيعين، تؤشر بعمق إلى مدى التشوهات النفسية التي تعيشها هذه الفئة من الكائنات نتيجة إدمانها على السلطة، والذي جاء - طبعا - بصورة غير شرعية، فلا هي مؤهلة بالعلم الحقيقي، ولا هي مُسلّحة بالخبرة والكفاءة، وإنما جاءت بالطفح والابتذال الأخلاقي، وبغزارة في إفراز هرمون النفاق، ووفرةٍ في إرخاص النفس، واحتقار الذات أمام ولي الأمر والنعمة في سبيل تحقيق منسوب مِن الرضا كافٍ للحصول على شهادة الجودة في الإذعان والانصياع لرغبة السيد الآمر الذي بيده مفاتيح البوّابات الكبيرة للولوج إلى عالم الثراء الحرام.
 
هذه الفئة الهابطة من المسئولين - بغضِّ النظر عن مناصبها - لا تُقدم أدنى إضافة للموقع الذي تشغله، بل تهبط به وتغوص في والوحل؛ لأنها أصلا فقيرة في ملكاتها ومؤهلاتها الذاتية، وإمكاناتها الفردية وخصائصها النفسية، فتَكْبُر بالكرسي ولا يكبر بها، وتُزري به في كلّ محك مِن محكات عملها، واختلاطها مع جمهورها في ببيئة العمل التي تقوم على إدارتها.
 
هم تماما كالعربات الصدئة المتآكلة التي لو عُرضت في سوق المنافسة لما شَدَّتِ انتباه أحد ولا أقام لها أحد اعتبارا، ليقوم بعد ذلك فريق الغش والتزوير برشها بقشرة رقيقة مِن الطلاء لا تصمد إلا ريثما تُباع في سُوق الخداع، وسُرعان ما تنكشف لشاريها باعتبارها مجرد خردة محلها السكراب أو معامل التّدوير عسى أن يُنتج منها أدوات تصلح للعمل في المرافق الوضيعة لا غير. 
 
هذه الفئة من التافهين تتكلم وكأنها لا تنتمي إلى هذا الشعب ولا تعرفه، ولا تحس بنبضه، ولا تتلمس احتياجاته، وهي كذلك بلا شك، فهي مشغولة دوما بهمها الذاتي، وتُخطّط ببراعة لاقتناص كل فرص النهب والسلب وتجارة الفساد الذي يجر الربح السريع بلا رأس مال، فعلاقتها بالشعب علاقة الْمُرابي بالفقير، والعَلَقِ الماصِّ للدِّماء بالجسد المريض، والزّبون العابر للسبيل، ولا ترتبط بالوطن ولا بالمواطن إلا بمقدار ما تملأ به الجيب وتُتخم البطن. 
 
إنها فئة مريضة تمارس الإسقاط النفسي، على مَن تعتقد أنهم خصوم لها ومنافسون في الميدان، حين قاموا يستدركون عليها عجزها وتقصيرها وتلاعبها، لأنها تعلم في لا شعورها أنها دونيّة في ذاتها، وانتهازية ورخيصة في طبعها ومسلكها، يوم عظَّمَت مصالحها الشخصية، وفقدت مهنيتها، وألغت قناعاتها، ونسيت مهماتها وواجباتها الحقيقية، وساهمت في هدر حقوق الناس، وانسحبت أمام السيد إلى مربع النفاق له بما تعلمه منه أنه كذب وزور.
 
هذه الفئة الطحلبية طفت على سطح الحياة السياسية في لحظة غفلة من المجتمع المدني عن دوره، أو في لحظة اُستخدِمت فيها القذائف الفراغية لملء المراكز الحساسة في الدولة، حيث أزاحت الكفاءات الوطنية العلمية والسياسية والإدارة المؤهلة والمستحقة، وأحلت محلها هذه الهياكل الفارغة إلا مِن ضجيج الرَّدح والزُّلفى.
 
هكذا طفا هؤلاء على سطح الحياة العامة فلَّوثوها طُفُوَّ الزبد والغثاء والجثث الهامدة على سطح المياه الجارية، يتقاذفها التيار هنا وهناك، وترتطم في الصخور فتنفري، ويفوح منها نتنها، وما حوت مِن فرث ودم، ولو كان بها حياة لَعَامَت عَوما طبيعيا، وكافحت في وجه التيار حتى بلغت المراد، ووصلت إلى شط الأمان في ما أوكل إليها مِن مهام وواجبات.
 
لقد بات مسلسل الإهانات للشعب الأردني على ألسنة مسئولين رفيعي المستوى في دولة يشكل ظاهرة خطيرة، ونهجا ثابتا، يدلل بوضوح على عمق الأزمة التي يعانيها النظام الأردني في رموزه الذين ينتدبهم لإدارة الدولة، وعكس وجه النظام السياسي على حقيقته، وهو يؤكد بلا أدنى لبس، مدى الانحدار الذي صارت إليه الأمور في الدولة، والمنسوب الذي وصل إلي الفساد في كل المناحي، ويؤكد أيضا صوابِيَّة المشروع الإصلاحي وضرورته الملحّة، باعتبار أن هذه الفئة العابثة غير مؤهلة ولا مؤتمنة لِتَتَولَّى مسؤولية أسرة مِن خمسة أفراد، عدا عن توليها وإدارتها لشؤون الدولة كاملة بمقدراتها في حاضرها ومستقبل أجيالها.
 
لن يضير الأردنيين أن ينال منهم التافهون، وستسير قافلة الأحرار بمشروعها الإصلاحي حتى تنفي هذا الخبث، وتُنظّف البيت مِن أوشابه، كما حصل في دول الربيع، فالأردنيون حقيقون بذلك، وبه جديرون، وقد حققوا من النضج في عام ونصف ما لم يدركوه في ثلاثين عاما كاملة، ولن تستطيع آلة النظام والتافهين مِن محاميه إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ولو ساعة مِن نهار.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد