صحيفة السوسنة الأردنية

مازالت  كوريا الشماليه  ترفض التجاوب مع المجتمع الدولي  ، لمقايضة  برنامجها الخاص بالتسلح  النووي  ، بآخر سلمي تنموي  بديل  ، يضمن  احداث نقله نوعيه في اقتصادها ،  وتحقيق الرفاه لشعبها   ، الذي  تحمل طيلة  نصف القرن الماضي  ،اعباء ماليه وسياسيه واقتصاديه ضخمه ، حين سخرت  الدولة  كل  مواردها لتأسيس  خامس اكبر جيش في العالم  ، وبناء برنامج نووي جعل كوريا الشماليه  حسب التعديل الاخير في دستورها دولة نووية .

 ويتخوف مراقبون من استمرار كوريا الشماليه في انتهاج سياستهاهذه على حساب قوت شعبها ، والتي قد تؤدي  - حسب اعتقادهم  – الى  انتشار مجاعه  جديده  في البلاد ،  شبيهة بتلك التي
 حدثت في تسعينات القرن الماضي ،وادت  الى وفاة  اكثر من مليون كوري شمالي جوعا او مرضا. 

 ومما يعزز هذه المخاوف ،  اصرار  كوريا  الشماليه على تخصيص قرابة التسعة   مليارات  دولار امريكي سنويا  ،لمواصلة هذه السياسه ،ولو على حساب قوت  المزارعين  في كوريا الشماليه . فقد
 دعت قيادة  الجيش الشعبي الكوري الشمالي مزارعي البلاد  الى  اقتطاع  اجزاء كبيره من  منتجاتهم   الزراعيه  ، والتبرع بها للجيش   الذي لم تعد موازنة الدولة قادره على تلبية  احتياجاته لضخامته  عددا وتسليحا .
 
يحدث هذا في الوقت الذي تعاني منه الزراعه في كوريا  الشماليه  من تردي الانتاج كما ونوعا ،بسبب استنزاف  الاراضي  الصالحه للزراعه ، وافتقارها الى الاسمده اللازمه  للانتاج الوفير والنوعي ،ورفض الدول ومنظمات الاغاثه الدولية  التطوعيه غير الحكوميه ، التجاوب مع نداءات كوريا  الشماليه  ، لتوفير احتياجاتها من  هذه الاسمدة  ،بسبب عجزها  ماليا . وافتقارها للعملات الصعبه .

اذ اعلنت كوريا  الشماليه  انها  لاتستطيع الايفاء الا بنصف احتياجات البلاد  من الاسمده الزراعيه ،   والمقدره  ب   5و1  مليون طن  هذاالعام ،  بكلفه تقدر ب 425 مليون  دولار.

الا ان   الدول والهيئات التطوعيه  العالميه مازالت ترفض  حتى الان  التجاوب مع نداءات  "بيونغ يانغ " لمساعدة مزارعي  كوريا الشماليه للتصدي للازمة  الزارعيه  ،وبالتالي  ، الغذائيه ،   التي تهدد حياة الملايين من السكان للاسباب التاليه :  
 
1- سياسه " بيونغ يانغ  " العسكريه    
 ----- -------------------------
ترى  الدول والمنظمات  والهيئات  العالميه  غير الحكوميه ،  ان  المجتمع الدولي لايتحمل وزر سياسات كوريا الشماليه  العسكريه ،  فهي  تسخر موارد البلاد وثرواتها لانتاج صواريخ  بعيدة المدى تحمل رؤوسا نووية  على حساب قوت شعبها .   وتقدر ماانفقته  "  بيونغ يانغ "على تجاربها الصاروخيه  في نيسان  الماضي  وحده بحوالي  850مليون دولار امريكي   ، وهومبلغ يمكنها  من  شراء 3 ملايين  طن من  السماد من الصين  أي ضعف احتياجاتها  السنوية من الاسمده
 
 2-    مخاوف من  سوء استخدام  المساعدات  الماليه  
------------------ ------------------------------ 
تخشى الدول والهيئات العالميه ، من سوء استخدام السلطات الرسميه للتبرعات الدولية ، في غير الاغراض التي خصصت  لها  ، بما في ذلك  احتمال  ان يتم  انفاق الاموال المخصصه لشراء الاسمده  لمزارعي كوريا الشماليه ، على  ضياع قسم  كبير منها في قنوات الفساد ، الذي تعاني منه تلك البلاد . وقد يتم  استخدامها  في زراعة  نباتات تنتج المخدرات ، لبيعها لمهربين يسوقونها في   دول الجوار واوربا  واسيا   لمصالح  متنفذين كبار في الدولة الكورية الشماليه.

3-  مخالفة قرارات الامم المتحده 
-----------------------
ان  أي  دعم  لكوريا الشماليه ، يعتبر  تمردا  على قرارات الامم المتحده ،التي تقضي   بفرض حصار على بيونغ يانغ  . كما ان مساعدة  النظام  الكوري الشمالي قد  يوحي له  بان  التحالف  الدولي  ضد كوريا الشماليه ،  قدبدأ يتفكك ، مما قد يشجعه على مواصلة سياسات الانفاق على انتاج اسلحة الدمار  الشامل  ،   كما يدفعه  الى مزيد من الاصرار على تجاهل  القرارات الدولية  ، وبالتالي استمرار رفض كوريا الشماليه  للمساعدات  الدولية  المشروطه  بتوقفها  عن تطوير برنامجها النووي العسكري   .

4-   تصعيد التوتر بين الكوريتين
----------------------------------
 من شان  دعم المجتمع الدولي  لكوريا الشماليه ،  ان يشجعها على  مواصلة  سياساتها العدائيه ،ضد جارتها الجنوبيه ،  خاصة بعد ان اعلنت القيادة العليا للجيش الشعبي الكوري  الشمالي ، انها  وجهت  احداثيات صواريخها الحامله لرؤوس نووية   للقصر الرئاسي في كوريا الجنوبية  ،وباتجاه مراكز استراتيجيه في  كوريا الجنوبية ، بينها مقرات وسائل الاعلام    ، لنشرها اخباراوتقاريرترى الادارة الشماليه انها مسيئه لكوريا الشماليه .

5- تشجيع كوريا الشماليه  على  مواصلة محاولاتها للتاثير
 في الانتخابات الرئاسيه   لجارتها  " الجنوبية"
-----------------------------------------------------
تسعى كوريا الشماليه حاليا  للتاثير على خيارات الشعب الكوري الجنوبي  في الانتخابات  الرئاسيه، التي ستجري في نهاية  العام الحالي . اذ تعمل من  خلال استفزازاتها لجارتها الجنوبية  الى الضغط على  الكوريين  الجنوبيين ،  لينتخبوا  رئيسا  جديدا يتقبل سياسات كوريا الشماليه  العسكريه  .
الا ان احلام" بيونغ يانغ "   لن تتحقق  - كما يقول  مراقبون  -  لان الشعب الكوري  الجنوبي يتجه اكثر  لليمين المحافظ  كلما زادت  الضغوطات  الخارجيه   عليه  ، ممايدفعه لاختيار رئيس محافظ  اشد عداء للنظام الشمالي .
 كما اكدت  استطلاعات الراي العام بان الشعب الجنوبي ينتخب رئيسه  القادم  وفق  قدرته  على  حل مشكلات   البلاد الداخليه اولا  ، وفي  طليعتها   ، التضخم  ، وارتفاع الاسعار،  والفروقات  المتزايده  في الرواتب والاجور ، والارتفاع  غير المبرر في تكلفة  التعليم  رغم  نوعيته المتميزه . 
وترى " مجموعة الأزمات الدولية"  ان الناخبين  في كوريا الجنوبية ، يميلون لاتخاذ سياسات متشددة في أوقات عدم الأمان، وهو امر  يؤكد فشل سياسات كوريا الشماليه للضغط  على الناخب الجنوبي   

6- تشجيع سياسات  افقار المزارعين
------------------------------- 
ان  مبادرة المجتمع الدولي لدعم مزارعي كوريا الشماليه بتوفير الاسمده مجانا  ،  قد يعتبر تشجيعا لسياسات "بيونغ يانغ"  في مواصلة  سياستها  باجبار مزارعي  البلاد على تقديم  غالبية انتاج محاصيلهم للجيش الشمالي ، مما سيؤدي الى افقار المزارعين واسرهم   .وقد سبق ولجأت  كوريا الشماليه لهذا الاجراء مما ادى  الى وفاة العشرات من المزارعين جوعا او اصابةابنائهم بفقر الدم

  احداث ليبيا درس لكوريا الشماليه
---------------------------------- 
يبدو ان  احداث ليبيا  اثرت سلبيا  على  اصحاب القرار في كوريا الشماليه  الذين يصرون  على رفض وقف البرنامج النووي الكوري الشمالي  مقابل مساعدات ماليه ضخمه  ، اذ يستذكرون مااقدم  عليه الرئيس الليبي  الراحل  معمرالقذافي، الذي تخلى  عن برنامج  ليبيا النووي عام  2003   مقابل انفتاح  ليبيا على العالم   ودعم الدول الغربيه  لها  ،الا ان ذلك لم  يحدث  ابدا ، بل حدث عكسه تماما  ، اذ ان حلف الناتو  استغل  الاحتجاجات السلميه في ليبيا  فتدخل عسكريا وبقوه وتمكن من قتيل  القذافي والقضاء على النظام الليبي  .

=================================================
•    صحفي وباحث  متخصص بالشؤون الكوريه
=================================================