ساهراً يعترض العواصف

mainThumb

18-06-2012 02:07 AM

 من مكتبه في وزارة الداخلية، وعلى مدار أربعة عقود، كان الأمير نايف بن عبد العزيز يراقب الزلازل المتلاحقة في المنطقة ويرصد انعكاساتها ويتحرك لدرء عواصفها. وكانت تلك العقود حافلة وساخنة. ليس بسيطاً أن يرى أهل الإقليم إيران الخميني تلغي إيران الشاه وترتفع الأصوات فيها داعية إلى تصدير الثورة. وليس بسيطاً أن تندلع الحرب العراقية - الإيرانية مهددة امن المنطقة واستقرار دولها وسلامة الممرات والمنابع. ولم تكن سهلة رؤية إسرائيل تحتل بيروت وترغم ياسر عرفات على هجرة جديدة.

لن تتوقف الزلازل عند هذا الحد. سيستيقظ أهل المنطقة ذات يوم على خبر غزو الجيش العراقي الكويت وقرار صدام حسين شطب هذه الدولة من الخريطة. ولم يكن سهلاً أيضاً قرار التحرك لتحرير الكويت بمستلزماته وحيثياته. لكن العقد الخطير سيفسح المجال لعقد اخطر. استهدفت هجمات 11 أيلول (سبتمبر) رموز هيبة أميركا ونجاحها. ولم يكن سراً أن السعودية باستقرارها وعلاقاتها كانت الهدف الكبير للمهاجمين. ولن تتأخر الضربات المدوية وسيرى أهل المنطقة نظام صدام حسين يتهاوى. سيرون أيضاً «القاعدة» تتحصن في بعض العراق وستطل الشرارات الأولى للفتنة السنية - الشيعية. وقبل اندلاع «الربيع العربي» كان اليمن يغرق في حروب الحوثيين ولبنان يتلوى على وقع الاغتيالات ومحاولات الانقلاب على ثوابت الأدوار في الإقليم.
 
في كل هذه الأحداث كانت السعودية معنية بحكم موقعها العربي والإسلامي وكانت في بعض تلك الأحداث مستهدفة بصورة مباشرة. كانت العواصف تقترب من حدودها أو تدور في ساحات تؤثر على سلامة الحدود وسلامة الداخل أيضاً.
كانت السعودية مستهدفة بسبب ثقلها السياسي والاقتصادي ونهجها المعتدل وكانت الجهات التي تخطط لإحداث انقلابات في الإقليم تتحرك لتحجيم دورها أو هز استقرارها. وكان على الأمير نايف أن يسهر على تحصين الساحة المستهدفة على الحدود وفي الداخل معاً.
كان العقد الماضي الأشد خطورة. نقل الإرهاب معركته إلى قلب السعودية بعدما نجح الفكر المتطرف في اصطياد شبان اضطربت لديهم الرؤى والخيارات والقراءات وأحياناً لم يقتصر الاضطراب على الشبان. كان لا بد من الحزم لكن الأمير نايف اختار طريق المواجهة الشاملة فالحرب على الفكر المتطرف لا تقتصر على الشق الأمني. لا بد من مواجهة المتطرف ولا بد من مواجهة التطرف. وفي المعركة الثانية لا بد من المناصحة وفتح الأبواب أمام التائبين ودحض أفكار مغلوطة ووقف انزلاق بعض المنظرين. كانت المعركة قاسية وحاسمة. وأثبتت المواجهة الشاملة جدواها بعدما دارت في الشوارع والبيوت والمنابر والسجون وكان غرضها كسب العقول والقلوب. كانت الخطة تقضي بمخاطبة المواطن السعودي ليتقدم للقيام بدوره وليكون حارساً لبلاده قبل رجل الأمن. وليس ثمة شك في أن «القاعدة» تلقت ضربة قاصمة حين خسرت أي تعاطف من الناس قبل أن تخسر قدرتها على التحرك العسكري. واستوقف نجاح التجربة دولاً قريبة وبعيدة ورسخ القناعة أن مواجهة التطرف لا بد أن تكون فكرية وأمنية في الآن نفسه.
 
كانت معركة الأمن والاستقرار مهمة وحاسمة. نجاحها مكن السعودية من متابعة جهود التنمية والبناء والتقدم وتحديث البنية التحتية وإنشاء المرافق الاقتصادية وتطوير التعليم. وبمقدار ما كان الأمير نايف يسهر على الأمن السعودي كان دائم الانشغال أيضاً بتحصين امن دول مجلس التعاون الخليجي مقدماً المشورة والخبرة اللتين لم يبخل بهما في لقاءات وزراء الداخلية العرب. وعلاوة على مكافحة الإرهاب كانت معركة مكافحة المخدرات.
 
من إمارة الرياض إلى وزارة الداخلية إلى ولاية العهد كان نايف بن عبد العزيز رجل الدولة الساهر على امن الوطن والمواطن. الحزم حاضر لترويض العواصف والحوار مفتوح لاستعادة الضالين. الصلابة لا توصد الأبواب. كان رجل الدولة الكامل الولاء والوفاء. يغالب الملك أحزانه. إنها سنة الخسارتين. يغيب نايف بعد غياب سلطان. يغالب الملك أحزانه متسلحاً بالإيمان والإنجازات ومحبة المواطنين.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد