أنا مسحورة أم مريضة نفسياً

mainThumb

20-06-2012 02:57 PM

 بعد وفاة أبي يأيام  بدأت أشعر بأن ظهري مكشوف فالحائط السميك الذي كنت أستند إليه هدم  ولم يعد له أثر ، فأنا فتاة في الخامسة والعشرين من عمري ،  أقلب وجهي في كل الجهات فلا شيء يمكنني الإستناد إليه ، فإخواني الثلاثة في بيوتهم مع زوجاتهم تسير حياتهم بصعوبة ، يعملون من الصباح حتى المساء لتحصيل قوت عيالهم يسكن كل منهم في حي مختلف عن الاخر  ، أما أنا وأختي وأمي فما زلنا في بيتنا المستأجر ، ولم يبق لنا إلا تقاعد والدي الذي  يتوزع على أجرة البيت والماء والكهرباء وتكاليف دراسة أختي ربى في الجامعة، ولولا عملي في الشركة ، لأصبحنا في وضع حرج  

 
لا يمكن ان أنسى تلك الليالي التي قضيتها بعد إنتهاء أيام العزاء ، لقد خطفني القلق وأثخن في طعني الخوف من المجهول ، وأخذ الخوف من العتمة يكبر في صدري شيئاً فشيئاً  ، وإزداد ورود الخواطر   على رأسي بأن في كل منطقة معتمة هناك من يريد أن يقتلني أو يغتصبني أو يخطفني ويذهب بي إلى المجهول  ، وبعدعدة  أشهر من وفاة والدي  بينما كنت  وحدي في البيت ، أشاهد التلفاز رأيت دخان خرج من التلفاز فأغشي علي فوراً  ولم استيقظ ، إلا  وأمي ترش علي الماء ، فأخبرتهما بما شاهدت ، فأكدت أختي كلامي بقولها :
 
*- بالفعل عندما  دخلت شاهدت بعض الدخان في البيت .
 
قالت أمي وهي تنظر إلى التلفاز الذي ما زال صوته يملئ الغرفة ، وصورته واضحة كما هي :
 
*- أنا لم أشاهد شيئاً ، ثم كيف يخرج من التلفاز دخان وهو ما زال يعمل ،... عبلة ... عليك أن تقرأي شيئاً من القرآن قبل أن تنامي 
ذهبت إلى غرفة نومي التي تشاركني بها أختي ربى ، قالت ربى بشيء من التردد:
 
*- أنا منذ أيام لم أشاهدك تصلين 
 
:- نعم أنا منذ أسبوع لم أصلي ... أصبحت أحس بضيق شديد عندما أقوم إلى الصلاة 
 
ومضت الأيام وأنا على تلك الحال وأصبح محور حديثي هو مشكلتي مع العتمة والخواطر المرعبة والتلفاز الذي خرج منه الدخان ، حتى زميلاتي في العمل  أصبح هذا الموضوع ياخذ النصيب الأكبر في الحديث ، كان حديثي في حقيقته بحث عن حل لمشكلتي التي لا أعرف ما هي بالضبط ، ولكني بدأت أسمع أصوات من بعض زميلاتي ونسوة أخوتي أني فتاة مسحورة ، وكنت أهزء بشدة من ذلك الكلام ، وأقول في نفسي ، أن هناك تفسيرات لما يحدث معي ومن الؤكد عندي أن السحر ليس من بينها .
 
 وفي ذات يوم إسيقظت في الصباح أريد الذهاب إلى العمل فلما خرجت من غرفتي رأيت أمي من الخلف على باب غرفتها تلبس قميص نوم جميل جداً لا يتناسب مع سنها وما أن إقتربت منها خطوات حتى رأيت أمي بلباسها المعتاد تجهز الفطور في المطبخ ، فأبرقت نظري نحو المرأة التي تلبس قميص النوم الجميل فلم أرى شيئاً ، فأخذت أبحث عنها في كافة أرجاء الشقة فلم أجد شيئاً ، فأخبرت أمي بما شاهدت ، فظهر الخوف على وجه أمي وحاولت التقليل من شأن ما حدث 
 
وبعد سنة تقريباً من وفاة والدي جائني خاطب وجلس معي في بيتنا وحدث القبول وشرعنا في إجراءات عقد الزواج ، وأثناء إنتظار نتيجة الفحص الطبي أحسست بفرحة لا توصف وبقرب متسارع لهذا الشاب ، وبعد أن ظهرت النتيجة إيجابية زادت فرحتي ودون وعي بدأت أخبر خطيبي المنتظر بكل ما يحدث معي ، وبكل ما اشعر ، في تلك اللحظة مددت له يدي ليساعدني في حل مشكلتي التي ما زلت محتارة فيها ، وتائهة في وسط الآمها ، لقدسمعني بإصغاء شديد وتحاور معي لنصل معاً إلى حل ، هذا ما شعرت به في تلك اللحظة ، ولكن تلك اللحظات الرائعة ، كان أخر لحظات ارى فيها هذا الشاب في حياتي ، في اليوم التالي أتصلت أمه بأمي وقالت لها ليس هنالك نصيب بيننا ، إتصلت به فرد علي وحاورته أكثر من نصف ساعة ليعطيني سبباً مقنعاً ولكن دون جدوى وفي الدقيقة الأخيرة من المكالمة قال :
*- أنا يا عبلة أبحث عن الإستقرار  وأنت فتاة لا تستطيعين أن توفريه لي ، أنا لا أستطيع أن أرتبط بفتاة مسحورة أو عندها مشاكل نفسية 
أنا أسف على هذة الكلمات ، لقد حاولت أن لا أجرحك ولكن أنت من ألح علي  بذلك. 
 
لقد جرحني هذا الشاب ، وقضي على البقية الباقية من توازني وتماسكي ، وإبتساماتي  ، وأصبحت وأمسيت أسأل نفسي هذا السؤال 
*- هل أنا مسحورة أم مريضة نفسياً ، أم مجنونة ، أنا ماذا ، أنا ماااااااااااااذا .
 
وأصبحت أسأل نفسي هذا السؤال بصراخ عالٍ في اعماقي ، وبانفعال هائج صامت يفجر كل أحشائي 
 
 و أقنعتني أمي بسهولة للذهاب إلى أمرأة متدينة تستطيع أن تعرف هل أنا مسحورة أم لا ، وذهبنا وخلال دقائق إكتشفت هذه المراة أني مسحورة وأن من سحرني إمرأة وأخذت تعدد مواصفاتها ،فتشكل في ذهني صورة زوجة أخي الكبير ، فالمواصفات المذكورة قريبة جداً منها  ، أصبحت أتنقل من إمرأة إاى أخرى وسبع نساء متخصصات في معرفة السحر أجمعن أني فتاة مسحورة ، ومضيت على تلك الحال سنتين 
 
وفي تلك الأثناء أخبرني  أصغر أخوتي  عن لقائه  بشاب قصته تشبه قصتي وكان لهذا الشاب صديق مهندس معماري  إعتكف ستة شهور وهو يقرأ عن السحر والطب النفسي حتى إستطاع أن يفرق بين السحر والطب النفسي ، وذهب إلى صديقه وأقنعه أنه مصاب بإضطراب نفسي لا يصل إلى حد المرض  وساعده ليستطيع مقاومة ذلك والتعايش معه ، وأن يستطيع أن يسير في حياته وقال لي :
*- سأبذل قصارى جهدي لأجد هذا الشاب 
وفي صباح يوم تاريخي في حياتي إتصل  أخي وبشرني أنه وجد ذلك الشاب وأنه سيزورنا في بيتنا مع  صديقه المصاب بالإضطراب ، وبعد صلاة العشاء ، حضر المهندس المعماري مه صديقه ، ولما نظرت إلى وجهه أدركت بحدس المراة الممزقة أني أمام رجل صادق ، أخبرته بكل ما حدث معي وعن إجماع النساء  المتخصصات بمعرفة السحر  اني  فتاة مسحورة ، قفال لي برفق شديد : 
*- ما رأيك أن نرجع إلى الوراء وتخبريني عن أحداث مشابهة لما حدث معك بعد وفاة أبيك .
فأخبرته عن مايشابه ذلك وأنا في الخامسة عشرة من عمري ثم تكرر ذلك عندما لم أنجح في مادة الفيزياء في إمتحان الثانوية العامة ثم تكرر ما يشبه ذلك وأنا في السنة الثالثة في الجامعة وقلت له 
*- في الماضي كان يحدث ذلك معي ولا ألقي له بالا ً حتى اهلي يسمعون هذا الكلام لأول مرة  أما بعد وفاة أبي فالوضع مختلف تماماً 
قال بعد إرتشف القهوة :
 
*- من المؤكد أنك فتاة غير مسحورة ، لماذا  لأن السحر على ندرته في مجتمعنا يأتي فجأة ودفعة واحدة ولا يستمر في حده الأقصى أكثر من سنة ، كما أنه يغادر دفعة واحدة ، وأغلبه على ندرته يكون في مجال العلاقة بين الرجل و  زوجته ، ستقولون لي من أين جئت بهذا الوصف للسحر  أقول إنه فهم لما جاء في القرآن والسنة الصحيحة 
فالله عز وجل يقول عن السحر :
 
      ( فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ) 
 وعندما سحر الرسول صلى الله عليه وسلم فصار يخيل إليه أن يأتي أهله ولا يأتي  أي لا يستطيع أن يجامع نسائه مع أنه صلى الله عليه وسلم كان يطوف على  زوجاته في بيوتهن في ليلة واحدة ، فالأية والحديث جاءت في مجال العلاقة بين الرجل وزوجته، وما حدث مع الرسول مخالف للعادة والطبيعة وجاء دفعة واحدة وبشكل مفاجئ  وغادر دفعة واحدة فقد جاء في سحر الرسول (كأنه نشط من عقال ) أي كأنه كان مربوطاً وحل الرباط وجاء في رواية مكث ( ستة أشهر)  فالسحر لا يطول زمنه فالله عزوجل يقول  (ولا يفلح الساحر حيث أتى)
 
فالساحر لا يفلح بإستدامة السحر فترة طويلة ، كما أن الله عزوجل أنزل المعوذتين  فقد جاء في حديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم  (فأتاه جبريل فنزل عليه بالمعوذتين ) فبعد تلك الحادثة أصبحت المعوذتان تشفيان من السحر 
لقد إقتنعت تماماً بما قاله المهندس وإقتنعت من أعماقي أني لست مسحورة فسألته :
 
*- إذا لم أكن مسحورة فما تفسير ما يحدث معي 
 
:- صدقوني  أني عند نهاية الست أشهر  من القراءة والبحث أني بكيت حتى بللت دموعي لحيتي ، بكيت على نعمة العقل والقلب والصدر فالأمراض النفسية  مع تفصيلاتها والإضطرابات الذهنية والنفسية عددها  كثير وكثير ونسبة السحر في الحالات التي تحدث في مجتمعنا لا تتجاوز الواحد في الألف .. وبكيت على الذين يدمرون حياتهم عن طريق المشعوذين أو حتى بعض المشايخ أصحاب النوايا الحسنة ...أنت يا أختي لست مريضة لأنك  مازلت تستطيعين القيام بوظائفك كاملة  وأنت تمتلكين بفضل الله روح مقاومة قوية  ، ولكن عندك إضطراب و وسواس قهري  أنا واثق بإذن الله أنك ستستطيعين التعايش معه ،أول شيء أريدك أن تفعليه هو أن تسجلي على الفور في مركز لتحفيظ القرآن الكريم  ، والأمر الأخر أن لا تخبري أحداً بعد اليوم بما يحدث معك ، وإبتعدي قدر الإمكان عن التلفاز و وقت فراغك إقرئي في كتب الثقافة الإسلامية وإجبربي نفسك على دخول الأماكن المعتمة شيئاً فشيئاً ، وأخر شيء أريدك أن تفعليه هو دعوة  من حولك إلى عكس ما تعانين منه، إدعي من حولك إلى حفظ القرآن وإلى عدم الخوف من غير الله ، أكثري من تذكير من حولك أن النفع و الضر من عند الله وأنه لا حول ولا قوة إلا بالله ... وتذكري دوماً أنك في أمس الحاجة لعون الله عز وجل 
قلت له والأمل يشق طريقه إلى قلبي :
 
 *-وهل سأشفى إن فعلت ذلك 
 
قال مبتسماً :
 
*- الأغلب ...لا... ولكنك تبتعدين عن نقطة الإنهيار وفقدان السيطرة ... وتستطيعين مع الزمن أن تتعايشي مع هذا الإبتلاء دون أن يشعر بك أحد 
 
وبدات أطبق ما قاله المهندس وإستطعت أن أحفظ في سنة عشرة أجزاء من القرآن وفي اليوم الذي أنهيت فيه حفظ الجزء العاشر تقدم لخطبتي شاب توفت زوجته وعنده فتاة صغيرة  ولما جلس معي قال لي محاولاً إقناعي : 
*-  هذه الفتاة يتيمة هي في أمس الحاجة لمن يعينها ، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه 
 
تذكرت على الفور حديث المهندس – تذكري دوماً أنك في أمس الحاجة لعون الله عز وجل – 
 
وتزوجت وحاولت ان أعين هذه الفتاة اليتيمة قدر إستطاعتي   ولم اخبر زوجي أطلاقاً بمشاكلي النفسية وكنت أحاول أن أخفيها عنه قدر المستطاع ، ومن العجيب أني أصبحت أتعايش مع إضطراباتي النفسية من غير معاناة كبيرة وأحياناً تمر أسابيع وشهور دون معاناة نفسية 
 
كنت أقول في نفسي  بإستمرار 
 
* يبدو أن الله أعانني لكوني صادقة في إعانة هذه الفتاة اليتيمة .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد