النظام .. تناقضات الإرادة والممارسة

mainThumb

02-07-2012 10:04 PM

 كان الملك من أوائل الذين صرَّحوا بضرورة الالتفات لنبض الشارع في موجة الربيع العربي، الذي بعثر أوراق النظم وتوقعاتها، وكان متحمسا لتقبُّل التحولات الكبيرة في المنطقة، ومستعدا بل داعيا – لفظيا –  إلى أن تتلاقى النظم وآمالَ وطموحاتِ الشعوب، وأيّد – ظاهريا - حركات التحرر العربي، ودعا مبكرا بشار الأسد إلى التّنحي نزولا على رغبة السوريين.

عام ونصف والأردنيون - نخبا وشعبيين - في الشارع يقرعون أذن جلالته يطالبون بحقوقهم التي انفرد بها النظام الأردني منذ تأسيسه، لكن يبدو أن هناك ما يحول دون تحقُّقِ حالة الاستماع، ويمنع الانتباه لمطالب الشارع، بفعل فريق المستشارين الذين يُفلترون الصوت الواصل بمهارة ليبدو ناعما جدا!! يبعث على الارتياح، ويعطى الضوء الأخضر لخطوات الردة الإصلاحية، وتكريس الأمر الواقع.
 
الملك قال غير مرة أنه يقود العملية الإصلاحية بنفسه، ويريد إنتاج حياة سياسية سوّية وفاعلة، وفق المقاييس العصرية المعمول بها في العالم الراقي، تُجسّدُ سلطة الشعب وتَداول السلطة، لكن الخطوات الإجرائية مناقضة تماما لما تم التصريح به.
لم يُحاسب فاسد واحد حتى الآن، وتم تبرئة البعض، والآخرون طُويت ملفاتهم وهم في طريق التبرئة.. لم يُسترجع قرش واحد من المسروقات التي هي بحوزة منظومة الحكم.. لم يُعدَّل شيء ذا بالٍ في الدستور، إنما هي رتوش وزركشات تَسرُّ المغفلين، وتُبقي كلّ السلطات الفعلية في يدِ جهة واحدة، وتحكم بالقداسة للمواد (34-35-36) من الدستور، لتفرغ عمليا بنوده من مضمونها، وتُشرعِنَ لاستمرار الفساد بمظلة الإصلاح.
 
الرسائل المتناقضة واضحة العناوين، وعنوانها الأبرز الاعتماد وبشكل مطلق على الورثة الأبرار  في تشكيل القرار، وتحديد المساحات المسموحة للحركة، وضمان جمع الخيوط في يد الرسّامين المهرة لمخططات الفساد والفشل والإخفاق، والإصرار على صندوق العجائب(المصائب) أو صندوق السحب لتشكيل الواقع السياسي الكفيل بتمرير الموجة:
 
وأول السّحب قدّم سمير الرفاعي كصفعة أولى للوعي والذاكرة الشعبية، لكن سرعان ما سقطت خياراته في هذه الورقة العتيقة، فجاءت المعالجة بصفعتين متتاليتين: حكومةِ البخيت وتعديلاتها بعد فضحية الكازينو، وتهريج النواب إضافة لوشم التزوير المنقوش على جبينها عام 2007م، ثم جاءت حكومة الخصاونة - كغلطة شاطر - إذ فكّرت مجرد تفكير في المواءمة بين الإرادة والممارسة، فدخلت في معركة الولاية العامة، وسرعان ما دفعت لتصتدم بالجدار الصلب لمؤسسة الفساد الرسمية، ليرثها - سريعا - فايز الطراونة الذي بادر فورا إلى بطح الحلم الأردني، والرفش على بطن توقعاته منهيا الجدل في جدية النظام بكل مستوياته في إحداث أي تغيير من شأنه أن يعطي أي سلطة مهما كانت تافهة للشعب المتعوس بأحلامه.
 
هذا المسلسل ثبّتَ بقوةٍ هذه الحقيقة في ذهن الأردني، وصادم مشاعره وأحاسيسه، وأشعره بالإهانة، فعلت نبرة صوته وعلت سقوف مطالباته، ووضحت عبارته، وحدّدَ هدف خطابه، ومسح الخطوط الحمر جميعها، وبواقعة أقول: بدأت أسهم الملك الشعبية بالانهيار، ورصيده بالنزف الشديد، ليس في الشارع فقط بل في الخلوات والأندية والصالونات والتحليقات في فظاءات الانترنت بشكل غير مسبوق.
 
وضمن مسلسل المكرمات ومداعبة المشاعر، أقرّ المجلسان – خزيت العين – النواب والأعيان، وبسرعة قياسية قانون الانتخاب الممسوخ من الصوت الواحد، ضمن رفض شعبي عميم، ليصادق عليه الملك ويطلب إجراء التعديل على بنده الثامن أو جزئية منه، أملا في تبليعه للشعب، ورفع الأسهم الهابطة وإيقاف النزف.
كان رد الشارع فوريا، وظهر الرفض جليا في معظم ردود الأفعال من الأحزاب والشخصيات العامة، وناشطي الحراك الشعبي في كل الاردن.
 
لا مجال للاستمرار في مسلسل الاستغفال، فالصوت الواحد ولد ميتا، ولا تستطيع الحيل الرسمية إحياء الموتى، والشعب الأردني قد هيأ القبر، وهو بانتظار وصول الجنازة لإتمام مراسيم الدفن.
الحرص الحقيقي على أمن الوطن يوجب عدم المغامرة، وسرعة المراجعة لما جرى، فمساحة المناورة محدودة، هذا ما استشعره بعيدا عن تخمينات الرسمي، واستطلاعاته.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد