تغريدات خلفان

mainThumb

07-07-2012 08:05 PM

 نحترم أهلنا في الخليج عموما وإخواننا في الإمارات على وجه الخصوص، ونتفهم النظام الاجتماعي الذي يضبط علاقتهم، والنمط السياسي السائد عندهم، وطريقة تشكّل مؤسسة الحكم التي ارتضوها لأنفسهم، ولسنا في صدد تقييم تجربتهم وفق معايير المعاصرة للدولة الحديثة، ولا حتى وفق المعايير الشرعية المستنبطة من سيرة الرّسول - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الراشدين، قبل دخول عصر الجبريات الحاكمة إلى عصرنا هذا.

إننا - شئنا أم أبينا - مضطرون أن نقف باحترام، لنرفع القبعة تحية للتجربة المصرية المبهرة، بعد ثورة 25 يناير المباركة، والتي شكلت انعطافة في تاريخ الأمة كلها، وليس في تاريخ مصر وحدها، حيث نقلت العرب ولأول مرة في العصر الحديث إلى مصافّ الدول العصرية المحترمة، وأزالت عن الشعوب العربية وصمة التخلف عن مقومات الحياة المدنية المتحضرة، وتوديع ثقافة الجبر وسَمْتِ القطيع التي ظلت تفرضها النظم العربية على شعوبها زمنا طويلا.
 
لم تكن تصريحات خلفان وليدة وقتها، بل له تصريحات مبكرة تتهم دول الربيع العربي، وتتهم شعوبها بالوقوع في فخ المؤامرة الدولية على المنطقة، مخالفا بذلك حكم العقل والمنطق، وتوقعات الخبراء الاجتماعيين، واستنتاجات المهنيين، والخبراء النفسيين ، واعترافات الساسة - عربا وغربيين - الذين أرجعوا ما حدث إلى أسبابه الموضوعية: حالة الاستبداد والقهر والتهميش التي مورست على الشعوب الثائرة، التي فاجأت الجميع بثورتها، وقلبت كل التوقعات عند خبراء السياسة الدولية، لتهرع تلك الدول بدورها لتكييف أوضاعها مع الواقع الجديد، ولتبقى للأسف بعض نظمنا أسيرة أحلامها، وأوهامها وأمانيها في استتباب أوضاعها على مألوفها في أنماط الحكم.
 
كان الأولى أن يُجري خلفان وشركاءه المراجعات الضرورية، وينظر بعقلانية للتحولات الجارية، ويحللها للوقوف على أسبابها الحقيقة ويستفيد من نتائجها في تقييم واقعه والنظر إلى مستقبله، لكنه للأسف تابع سقوطه، وفقد توازنه النفسي، وإحساسه السياسي وشرفه المهني، ليفيض بهذا الكم من التفاهات بلا مبرر منطقي ولا سند قانوني، ولا عرف دبلوماسي معتبر.
 
نسي خلفان أنه مجرد شرطي جيء به لحراسة المستورد والمناقض لأخلاقيات الأمة وثقافتها، ولمحاصرة إرث أجداده، وإزعاج أرواحهم بكل ما يصادم دينها وأعرافها ومروءتها، ولتصبح مقاطعته معرضا للحوم الرخيصة والخنا المغطى بغطاء الحضارة والمواكبة للغة الزمن. 
لا يضير المرشد العام أن يكون بيطريا أو استشاريا باطنيا أو خبازا، ويكفيه أنه قائد روحي ومصلح اجتماعي، اختاره إخوانه شوريًّا لقيادة جماعته وتنظيمه العريق، وقدَّم للأمة المصرية - أيضا - رئيسا شرعيا منتخبا ديمقراطيا حافظا للقرآن وأسرته جميعا، ملتصقا بتاريخه ودينه وثقافة أمته وشعبه، راجعا بهم إلى أصالتهم وعراقتهم وعزة دينهم.
 
 لا أدري ولا أستطيع أن أفهم كيف يمكن أن يكون هذا الأمر محل تندّر أو استهزاء، أو شيئا معيبا ، وهو في الحقيقة مفخرة لهذا الرجل ولأصحابه الذين عايشوا الناس سنوات ، ولما رأى الناس صدقهم وجهادهم وتضحياتهم وتفانيهم في خدمة دينهم وأهلهم، وصبرهم على الأذى والتشويه وثقوا بهم وقدموهم للصدارة.
 
ولا أدري هل قرأ خلفان في التاريخ عن عمر الفاروق وهو يُطبّب إبل الصدقة، وهو الذي كان يخشى أن يسأله ربه حتى عن البهائم التي في حدود ولايته، وقد رآه سالم بن عبد الله متشمّرًا يُدخل يده في دبر البعير يعالجه ويقول: "إني لخائف أن أُسأل عما بك"، بينما يفخر صاحب العجز والبطالة أن حوله عشرة من الآسيويين يمسحوا فمه بعد الطعام، وأنفه إن تمخّط.
 
سيلصق العار بجبين خلفان، إذ يأتي بهذا الهراء، ولن تنساه أجيال الأمة، ولن تنجح في تبريره كل لغات الأرض، لأنه يؤشر إلى أجندات دولية مشبوهة، لا تريد للتجربة المصرية المبدعة أن تتكرر، ولا أن تتعدى حدودها، أو تتخذ حيزها في الذهنية العربية الجديدة، ومحاولة لقطع الطريق على تداعياتها وهزاتها الارتدادية المتوقع وصولها إلى دول الجوار بما فيها دول الخليج، والتي بدورها ستنفض الغبار عن تراكمات السنين التي نام عليها إنسان تلك الدول، وستكشف عن عيونه الغشاوة ليرى كمَّ الحقوق المهدورة أو المغفول عنها على مدار الحقبة الماضية.
 
وأسفنا يشتد حين لا نرى أحدا ينصحه أو يوجهه أو يأخذ على يده، ممن حوله في مؤسسة الحكم، وفق الأعراف والتقاليد الدبلوماسية المعمول بها بين دول العالم، ليقدم بذلك دليلا إضافيا على خطة خطيرة بدأت بعض ملامحها بالتسرب عبر وسائل الإعلام، تقول أن هناك رعاية خليجية رسمية بالتعاون مع أعداء الأمة التاريخيين لوقف نهضة الأمة المعاصرة، ووأد آمال الشعوب في ثورة عربية شاملة تعيد الأمة إلى مشروعها الحضاري ورسالتها الإنسانية، وهذا ما نُجلُ أهلنا في الخليج عنه، لأنهم إن فعلوه سيلزمهم عار التاريخ ولعنة الأبد.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد