قانون الإقصاء

mainThumb

27-07-2012 02:15 PM

 إنها ديمقراطية تكريس الواقع الفاسد، وتعميق الأزمة الوطنية، والهروب من تكلفة النظافة السياسية، والحرص على بقاء القُبح كاملَ التّجسُّدِ تحت عباءةِ عدالةِ التّمثيل، والْمُحاصصة بين الأجناس والأعراق والطوائف والمذاهب القابعة على امتداد القارة الأردنية لاعتبارات الأمن القومي ومصالحه العليا ؟!!!!

 

  على مدى عام وسبعة أشهر يُطبخُ قانون الانتخابات الأردني، ويتنقلُ من قِدرٍ إلى قِدر، بعد أن انطفأت تحته نارُ الإنْضاج في أربع محطات، لتظفرَ به أخيراً حكومة الطراونة، وتنضجَه سريعا وعلى دفعتين، بعد أن تذوَّقته ألسنة الذوَّاقة، وأعطته علامة الجودة للنزول إلى سوق الديمقراطية الْمُتَعطّش كي يُبْرِدَ شَوقَه، ويقضي منه نَهمَتَه.
 
 يبدو جليا أن الأوضاع الفاسدة تَترسخ بطول الأجل، وتَتشبعُ عناصرُها بالسّموم لدرجةٍ يَصْعُب معها نجاحُ عمليات التَّحلية والتّنقية والتّنظيف، وتُصبحُ هي الحالة السّائدة التي تَرتَضيها المجموعة الْمُصابة، وتُفضّلُ أن لا تَتجشَّمَ عناء الرِّحلة العلاجية اللازمة أو تُكابدَ الْمُعاناة في طريق الاستشفاءِ من هذا البلاء.
 
كلُّ التَّسريباتِ والتَّصريحات والكتابات التي رافقت زفَّةِ قانون الانتخاب (مِن مَمْشَاهُ إلى مَلْفَاه) تقول: إنّه فُصِّلَ تفصيلا لإقصاء القوى الوطنية المخلصة والنظيفة ومنها الحركة الإسلامية، التي تمتلك مجتمعة الجرأة الكافية للتعبير عن نبض الشارع، والدفاع عن مصالحه وحقوقه في وجه سلطة النظام المتفرّدة بالقرار منذ نشأته إلى الآن.
 
رئيس الوزراء الذي اغتيلت تجربته في نِيّة التّوجه نحو الإصلاح وهو في تركيا يُسائل أحد ممثلي النظام بقوله: لِمَ تُشيطنون الحركة الإسلامية بهذه الطريقة وَتَسعَون لتشويهها، وتُهيِّجون الناس ضدها بكل وسيلة؟ فيجيبه ببساطة : لأنهم ضد السياحة.
 
لكن السائل والمسؤول كلاهما يعلمان أنّ السّبب غير هذا يقينا، ذلك أنّ السبب واضح لا حيتاج إلى برهان، فالفعل الفطري للإنسان السّوي إذا دخل إلى الغرفة التي هجرها الترتيب والنظافة، وأعوزتها التّهوية النقية، وعشعشت فيها العناكب والحشرات، ونبشتها القوارض والآفات - أن يسعى في تنظيفها وترميمها بغلق الجحور، وكنس الزبالة، وشطف الغبار وتعطير الأجواء، وفتح نوافذ التهوية، وبلا شك أن مثل هذه البيئة ستكون طاردة للقوارض والعناكب والحشرات.
 
 عندما يُناقش موضوع الانتخابات في أعلى مستويات القرار، وتُناقشُ فرصُ الحركة الإسلامية في ضوئها، وتُطرح وجهات النظر في الموضوع بين التّهويل والموازنة، يرسو العطاء على الرأي الأكثر تطرفا فيكون الاختيار كالآتي : " ما قاله فايز هو الصحيح" ، ندرك حجم الأزمة التي يقودنا إليها الفريق المسؤول عن دمار بنية الدولة الأردنية بكل ما فيها مِن مقومات ومقدرات.
 
كأن الإخوان المسلمين ليسوا أبناء هذا الوطن!! وكأن أجدادهم لم يحتووا هذا النظام ويثبّتوا أركانه وفق عقد اجتماعي ما لبثت أن اختلت أركانه بفعل القوى الطُّحلبية التي اِلتفت على ساق الحكم وفروعه!! وكأنهم باعةُ الغاز والبوتاس والفوسفات والميناء!! وكأنهم مؤسسو شركة موارد، وسارقو سكن كريم، متعَهِّدو الكازينو !! وكأنهم قابضو الرشاوى، وشاربو الأنخاب ورُوّادُ المواخير!!
 
هكذا يجب إقصاؤهم عن المشهد، عن ساحة الوطن الْمُوْدَعُ في حِساب مالكيه، وَلِيُتْلَى عليهم الحُكم في محكمة النظام بقانون قوم لوط عليه السلام، حين ناقشوا أمره وأتباعه، فما كان قولهم: { إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}، هكذا بإضافة القرية إلى ثُلة الملوَّثين تهوينا لعملية  الإخراج والإقصاء والإبعاد لهذه الفئة التي تتحدى أن يَثْبُتَ في حقِّها فسادٌ، أو يَحُومَ حول طَهرها شُبهة.
 
نعم الإخوان ضد سياحة العهر، وسياسة القهر.. ضد أكاديمية الفساد، ومدرسة التفرّد والاستبداد.. ضد قوى الشفط والاستحواذ على مقدرات البلاد وحقوق العباد.. ضد الاشتراك في مهرجان الترويج لعصر الفاسد الجديد تحت قبة مسرح تهريج جديد.
حقا إنّه من الظلم الادعاء أن سياسة الإقصاء كمنهجٍ تُوجه للإخوان المسلمين وحدَهم، بل هي مُوجهة ضِدّ كل القوى الحزبية والهيئات الشعبية والشخصيات الوطنية أيّا كانت مرجعيتها أو فكرها، ما دامت مُتوجهة بصدق وإخلاص لمناصرة حقوق الناس في التمثيل واسترداد السلطة،والمشاركة في صنع السياسات والقرارات، ووقف النزيف، ومحاكمة الفساد، واستعادة المنهوب، ووضع قواعد المرحلة على الأساس الصحيح.
 
ليعلم الفاسدون والمخدوعون بأضاليلهم، أن زمنهم قد انتهى، ويد القدر تقلب صفحات سوئهم، وفي يدها الآن صفحة خامسة توشك أن تطويها في سوريا، ولن تتوقف عند حدودها، فليعوا المرحلة، ويستعيدوا الذاكرة، وليؤمنوا بعد زمن من الغفلة والضلالة بموعود الله يقول لهم: { وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاء مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ *}{....لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } { فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ ( * ) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ( * )}. 
أظنّ أننا جميعا مسلمون نؤمن بالقرآن، ونصدق بوعد الله فيه!
 
أنا أومن بذلك فهل تؤمنون!!


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد