مخيم الزعتري قصة إيواء أم ماذا؟!

mainThumb

08-08-2012 03:58 PM

 صَبَر السّوريون أربعين عاما على حكم الطاغوت النُّصَيْرِيّ، الذي لم يصبرْ مِنهم على كلمة ردَّدها أطفالُهم ببراءةٍ تقليدا للمشهد في بعض دولِ السجنِ العربي الكبير، لكن تلك الكلمة الساحرة كان لها وقعُها في العقولِ والقلوب المكبوتة فمزّقَت أستارَ الصّمت ورفعت صوتَها بطلب الحرية، فتلا طاغوتُ الشام ملحمةَ الموتِ على الشعب المسالم الأعزل، ومَزّقه في الأرضِ كلّ ممزق، وألقى ضحاياه على أعتابِ دولِ الجوار، التي كان منها: مهينٌ ومُكرم.

إنه ومنذ أيام الأزمة الأولى وَجد المطلُوبون للنظامِ المجرم ملاذا لهم في وطنهم الثاني الأردن، فاحتواهم إخوانهم، واحتضنوهم حتى التحقت بهم عائلاتُهم،وتوالى تَدَفّقُ الهاربين بالنفس والوالد، وتعاظمَ العددُ، وقامت الهيئاتُ والجمعيات واللجانُ الشعبية بواجبها لنُصرتِهم، وتخفيفِ مُعاناتهم، واقتصر دورُ حكوماتنا المتعاقبة على التوثيق والرّصد والمراقبة، بينما انساحَ الضُّيوفُ الجُدد في جميعِ محافظات المملكة ليعيشوا بين إخوانهم مُكَّرمين، ولم تَظهر مُعناتهم بشكلٍ واضحٍ للعيان في شكلِ مخيمات للجوء كما في تركيا.
 
لكن يَبدو أنّ النَّخوة دبَّت في عروقِ حكومة الطراونة فجأةً ، واشتهت أن تُمارس دورها الإنساني بعد عام ونصف من الأزمة، فبادَرت لإقامةِ مخيمٍ للجوء في منطقة الزعتري، وأخْلتْ إليه أعدادا من القاطنين في سكن البشابشة في الرَّمثا، وألحقت به أعدادا إضافية تَتوافد يوميا عبر الحدود مع سوريا.
 
حقيقة لا أدري مَن هي الجهة التي اقترحت على حكومتنا العتيدة مَوقع المخيم، وأشرفت على إنشائه، كي نُكافئها (بدشِّ) مناسبٍ لمستوى إنجازها الاستثنائي في العمل الإنساني:
 
فأرض المنطقة صحراوية مشهورة بارتفاع درجات الحرارة، وبنعومة رمالها، واشتهارها صيفا بكثرة الزوابع التي تحجب الرؤيا وتكتم الأنفاس، لدرجة أنّها غيرت ألوان الخيام على صغرها إلى اللون الأصفر، وقد فُرشت الخيام بفرشات الإسفنج وبدون أغطية على مستوى سطح الأرض مما يجعلها عرضة للزواحف والحشرات والعقارب، كما أعوزتها كل مقومات الحياة الكريمة من الماء الصالح للشرب والنظافة والرعاية الصحية وغيرها.
 
أضف إلى ذلك تَقييد حَركة النُّزلاء، وتَعقيد إجراءات الوصول إليهم مِن قبل اللجان الشعبية، ومَنع تكفيلهم لمعارفهم أو أقاربهم الذين يسكنون في المدن القريبة، مما ضاعف حجم المعاناة، إذ قد تجد الزوجة والبنات في المخيم، والأب وبعض الأبناء خارجه، ويُمنعون مِن إخراج ذويهم للعيش معهم حيث يسكنون.
 
الإغاثة فعل إنساني راقٍ، وخُلق عربي أصيلٌ، وواجب لازمٌ تُجاه الأشقاء، ينبغي أن يُؤدَّى دونالنظر إلى معايير الربح أو الخسارة، أو العبء الاقتصادي وغيرها من الذرائع.
 
يحبُ أن يُدرك الجميع أنّ الذي يتاجرُ بدماء الشعب السوري بِحُجّة المؤامرةِ العالمية على دولة الممانعة والمقاومة والتصدي للإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية، يُساويه وَيُدانيه في السّوء أولئك الذين يَستخدمون ورقة اللجوء كوسيلة من وسائل جلب الدعم من المجتمع الدولي، أو لاستدرار المساعدات من الهيئات الدولية والمنظمات المانحة، والتي تشترط لذلك الوقوف على حجم اللجوء، وجسامة المعاناة ومقدار الاحتياج، لتنطلق الجولات المتتابعة لكبار مسئولينا على المخيم مصطحبين معهم عشرات المحطات الإعلامية والصحفية لإثبات وجود المخيمات وبيان حجم العبء، والحاجة للدعم الدولي!!!
 
لا يمكننا بأيّ وجه مِن الوجوه اعتبارَ مُخيمِ الزّعتري مخيمَ لجوءٍ، لأنه أقربُ إلى المعتقلِ بصورته الحالية، والتي لا تَليقُ بكرم الضيافة، ولا بتضحياتِ الشعب العربي السوري، بعد أن جارت عليه يد الطغيان، وحوَّلته إلى بضاعة مزجاة في كنف نُظم الجوار يَتسوّلون حاجتهم، وتُمتهن إنسانيتهم، بعد أن كانوا في ديارهم في كفاية وغنى، حتى صدق فيهم قول هند بنت النعمان:
فبينا نَسُوسُ النّاسُ والأمرُ أمرنا***إذا نحن فيهم سُوقة نَتَنصّفُ
 
آن الأوان للحكومة والجهاتِ المعنية أن تُوقف المهزلة، وتَرفع المهانة، وتُقدم الواجب كما يليق بسُمعة الشعب الأردني، ويَرتقي لحجم المعاناة التي يعالجها أشقاؤنا وضيوفنا، وإن لم يجد الرسميون أنفسهم أهلا لهذه المهمة، فليفسحوا المجال للجان الشعبية، والجمعيات الخيرية والإغاثية المحلية والدولية لتتولَّى المهمة، فإنها قادرة على إدارة الملف بكفاءة وأمانة واقتدار.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد