عزوف الشعب عن التسجيل للانتخابات حالة وعي

mainThumb

24-08-2012 02:27 PM

 عاش الشعبُ الأردني سنواته الطّوالَ والنظامُ يُمارسُ باسمه ديمقراطيةً ابتدعها، ما ارتضاها الشعبُ يوما ولا أقرّ بها، ولا عبّرت عن آماله وطموحاته، لكن بعضَه انخدع لها، وبعضَه الآخر استغلها وانتفع بها، وبعضٌ ثالث بقي غير مُكترثٍ ولا مَعْنِيّ  بها، وظل الشعبُ دوما جزءا من ديكور النظام وزينته الظاهرة التي تُخفي الحقيقة، وتستر السوأة.

 سيطرَ هذا الشكل من الحياة المدنية المزوَّرة على المشهد الأردني منذ تأسيسه، ثم تَعطلتِ الديمقراطية قرابةَ ثلاثةِ عقودٍ تحت ذريعة الأوضاع العُرفية وقانون الطوارئ، ثم رُفع عنها الحَظرُ في انتخابات المسبار 1989م، وأقول المسبار لأن غايتها كانت الكشفُ عن استعداد الأردني كإنسان، ومدى صَلاحية لممارسة هذا الشكل من الحياة السياسية، بعد سنوات عجاف من الملاحقة والتّشويه لمقوماتِها ودعائِمها مِن: أحزاب وتنظيمات ومؤسسات، وكانت النتيجةُ بالنسبة للنظام غيرَ مُبشِّرةٍ ولا مُرضية، فقررت "حليمة أن تعود لعادتها القديمة" واستأنفت مشوارها في التزوير ابتداء من العام (1993م) وإلى الآن.
 
في هذا العام  - 1993م - وُلد مِن رَحم النِّظام قانونُ الصّوت الواحد سفاحا مع المستشارين في السفارة الأمريكية، وتمَّ استئنافُ مسلسلِ التّزييف للإرادة الشعبية، واُسْتُعِير الشعبُ من جديد ليكون بروازا لأداء النظام السياسي وأدواته التنفيذية، ويوما بعد يوم بدأت ملامحُ الصورةِ تبهتُ وتتشوّه، وتفتضح في مَعرضِ الخداعِ والضحك الرسمي على الذقون، وتفاقمَ الوضعُ، وكاد سامرُ الديمقراطيةِ ينفضُّ من جديد بفعلٍ شعبيٍّ هذه المرة، لا بقانون الطوارئ، فجاءت تَعهداتُ الملك للشعب بانتخاباتٍ برلمانية وبلدية حُرٍّة ونزهةٍ في الأعوام 2007- 2010م، لكنّها كانت الأسوأ شكلا ومضمونا من كلِّ جولاتها السابقة.
 
وبعد قرابةِ العامين مِن الحِراك الشعبي الواعي والمستبصر،  يفشلُ النظامُ في " تبليعِ الشعبِ الطُّعمَ كعادته"، ويعجزُ عن تشكيلِ البروازِ الديمقراطي الذي تَعَوَّدَ أن يتكئَ عليه، وسقطَ مِن يده ديكورُ الشرعيةِ الشعبية الذي استخدمه، وأفقد به الدولةَ مقوماتِها كدولة: فأتى على اقتصادها، واستنزف مواردها، وباع مؤسساتها، وشوه بُناها الاجتماعية والنفسية، وقدّم للعالم الصورة الشوهاء للأردن كبيئة حاضنة ومنتجة للفساد، وللإنسان الأردني كعنصر متحلّلٍ لا أخلاقي غير مبالٍ بسمعته ولا بعراقة أصوله، ويكفينا وفدنا الرياضي لبريطانيا - مؤخرا - نموذجا !!
 
بالقطعِ ليس الإخوانُ المسلمون هم السببُ وراء عزوفِ الناس عن العملية السياسية، ولا هم الذين منعوا المواطنين من استلام بطاقاتهم الانتخابية، ولم يهدّدوا الناس لمنعهم من الذهاب إلى مقرّات التسجيل.. إن شيئا من هذا كله لم يحدث، لكنها حالةُ الوعيِ الشعبيِّ الذاتي والعميق بالحقوق التي صُودرت، هذه الحالة التي باتت  تُسيطر  على تُفكيره وتَتَحكَّمُ بقراراته، وتصوغ لغته، والتي يأبى النظامُ أن يَتفَهَّمَها، أو يلتقطَ رسالتَها، ويُصرُّ في غباءٍ على المضي في مشروعِ انقلابه على الإصلاح، وعلى إرادة الشعب إلى النهاية.
 
لمْ، ولنْ يترك النظامُ وسيلةً لرفعِ نسبة التسجيلِ واستلامِ البطاقات الانتخابية، حتى لو اضطُرَّ إلى تمديد زمن الاستلام والتسجيل، واستنفرَ كلّ مؤسساته وطواقمِه المعنية، وحتى لو استدعى الأمرُ الوُصولَ إلى كلّ مواطن في بيته ووظيفته، لأنه لم يتعودْ أن يكون للناس موقف أو رأي فيما يتخذه من قرارات أو يضعه من سياسات.
 
على النظام أن يُدرك أنه لن يُفلحَ هذه المرة، وسيخرجُ من الجولة مهزوما، لأنه وضعَ نفسه في مواجهة الشعب، وانعزلَ عنه بإصرار، ولم يتحسسْ نبضه أو يتَفهَّمْ تَحوُّلاته، أو يدركْ حالةَ النضجِ التي بلغها بأخطاء النظام نفسه، وببركة جهود المخلصين من أبناء الأردن وشبابه وتيّاراته وأحزابه ومنها الإخوان وجبهة العمل الإسلامي.
 
قد يملكُ النظامُ أن يَدفعَ بالبطاقة الانتخابية لكل مواطنٍ من تحت الباب، لكنه لن يملك أن يقودَه إلى الصناديق، ولن يتمكن أن يملأَها هو، وما احتشدَ له من مؤسساتٍ وكوادرَ تنفيذية كعادته، لأن اللعبة بات فوق الطاولة، وأوراق النظام مكشوفة وميّتةٌ، ولا تؤهِّله لكسبِ الجولة، ولأن خطوةً كهذه كفيلةٌ أن تَخلعَ الرِّجلَ الخلفية لمقعده، وتقلب طاولة اللعب على الجميع. 
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد