الهجوم بأربعين مقالة

mainThumb

29-09-2012 12:55 PM

 لا يُساوِرُنا أدنى شكٍّ في أنَّ ما يَجري في مَيدان الإعلام الرّسمي، وما يَتبعُ له - عبارةٌ عن صورةٍ مُجسمَّةٍ للحرب القذرةِ القائمة على الكَذبِ والافتراء، وقلبِ الحقائق، بل واختلاقِها مِن بَناتِ الأفكار، ونشرِها على أنّها وقائع ومُسلَّماتٌ لا شبهة فيها .

أربعون مقالةً في اليوم - تقريبا - أصبحَ نِصاب الهُجوم على الأخوان المسلمين خاصة، وعلى المطالبين بالإصلاح عامة في ثنايا الصفحات المأجورة، تماما كنصاب القتل اليومي في سوريا قبل خمسة شهور، لا لشيء سوى أنّ الشعب الأردني، وطليعتَه الحركة الإسلامية، وشركاءَها الأحرار مِن أبناء الوطن، قرروا أنّ يضعوا النّقاط على الحروف في مُعادلة الحُكم في لَحظة مَفصلية مِن تاريخ الأمة، تُنهي فصلاً طال كثيرا مِن الدّجل السياسي، مارستهُ شِرذمةٌ فاسدة، فأثقلت البلاد، وأفسدت معاش العباد، وأرهقت أعصابهم.
 
ويبدو أنّ الفريق الْمُكلّفَ بهذه المهمة مُستعدٌّ دائما كي يقومَ بهذا الدّورِ، حين يَقومُ بعضُ ما يُمكن تَسميتُهُم بالرّموز السّياسية - تَجاوزا – بإطلاق تَصريح مُنافٍ للصحةِ والواقع، لِيكون بمَثابَةِ عَلامةٍ إذنٍ بالهجوم، حتى تَنبري الأقلام الليّنَةُ الطّيّعةُ بأيدي أصحابها لِتُناسِبَ كُلَّ حالة، وتُلائِمَ أيَّ مَضمون، كي تَسيلَ بالإفك والكذب على شخصِ الحقيقة بطهارتها وعفتها، مُحاولة تلويثها وتشويهها، وتَندلقُ معها الألسنةُ السُّوءُ، تَجُرُّ على الأرْضِ الوسخة تُلملمُ منها قَذَرَها، ثم تَلوكُه بفمٍ مرِّ مَريضٍ، فَتَلْفِظُهُ بوجه الوعَي الشعبيّ المتنامي، لعلها بذلك تَطمسُه، أو تُقلقُه عن قناعاته وإيمانه.
 
ذَكرَّني هذا الفَريق الطَّمَّاع النّهِمُ الرّخيصُ بما كان يَصْنَعُهُ فلاحُوا جِبالِ الألبِ مِن التِّبتِ، مع حميرِهم كي يَحفزُوها على إكمالِ السّير في الطريقِ الوَعرِ إلى قمّة الجبل، فيمُدّون مِن على أعناقها عَصاً تَمُرّ فوق آذانيها، ويَربطُون بها ضُمّةً مِن الحشيش، لا تَصِلُ الدَّوابُّ إليها بأفواهها، لكنها لا تقطعُ الرّجاءَ مِن الوصول، فَتُتابِعُ السَّير الْمُجْهِدَ بِنَشاطٍ وتَفانٍ، حتى يَبلغَ بعضُها قمّةَ الجبل، ويَخُونُ الحظُّ بعضَها الآخرَ، فَيَنْفَقُ ويموت قبلَ الوصولِ، لِيُلقَى من القِمّة التي وصلَ إليها غيرَ مأسوفٍ عليه.
 
لا نَضيق ذرعا بالنَّقد الموضوعي، والتّحليل السّياسي المنطقي العلمي، ولا مُشكلة عندنا مع مَن يُخالفنا في الرَّأي، ويفترقُ عنَّا في الأيديولوجيا، لكنَّ مُشكلتَنا ومشكلةَ كلِّ الأحرارِ تنحصر في أولئك الذين لا مَبدأ لهم، ولا حَاجزَ عندهم مِن تقوى ولا دين، ولا يَمتلكُون حِفنة مِن حَياء أو شَرفٍ، والذين يرَضِي أحدُهم أن يكون مَركبا للأجرة في ميدان السباق السياسي، أو لسانا مُتَلَوّنا راطِنًا بلهجات تساوي عددِ الذين يَطلبونه ويَستخدمونه، ويعطونه أكثر، ويَمتلك الواحدُ من هؤلاء لسانا ذا قدرةٍ فائقةً على الاستطالةِ، قدرةٍ تفوقُ قُدرَةَ لسان الحرباءِ على الشجر، والضفادع في المستنقعات، ولو ذهبت تُشَرِّحُ أحدَهم في مُختبرٍ لتتعرف نوع الأنسجة التي خلقت منها هذه المسوخ لَمَا فاجأتك النتيجةُ التي تضعُك أمام كائنٍ مِن فصيلة اللسانيات، ليسَ فيه خليةٌ مِن ضميرٍ، ولا عصبٌ من إحساس.
 
هذه الفئة التي يَسْهُلُ عليها أن تُقيمَ العلاقاتِ بِسهولةٍ، فتَجْتَمِعُ مع الرّذيلة في صَعيد واحد، وتَجلسُ بخشوعٍ مُصغيةً لداعي الرُّخصِ، وتَسْعَدَ كثيرا بِتَصفِيقِ وتسحيجِ التَّفاهةِ حَولَها، لِتُقبِلَ بحماسة مُنقطعةَ النّظيرِ على هذه الخَساسةِ الإعلامية، التي لا تُشَرِّفُ الإعلامَ الأردنيَّ الحرَّ، ولا تنتمي إليه بحالٍ من الأحول، بل هي ذاتها التي وَقفت بالأمس القريبِ ضدّه في حِلفٍ مع الفساد المستشري في مفاصل النظام، لِتُبرِّرَ قانونَ كبتِ الحريات الصحفية الجديد، وعلى رأسها ما يتعلق بالمواقع الإخبارية الإلكترونية.
 
نقول لهؤلاء: الحقيقةُ على الأرض أكبر مِن تزييفكم، وأنصع مِن سَواد ضمائركم، يَراها جميعُ الأردنيين، فما الحركة الإسلاميةُ إلا ركيزةٌ قوية، ورافعةٌ عالية في الزمن الأردنيِّ الصّعب، تُجَالِدُ دون حقوقِ شعبها، وتَقف وِقْفَتها التاريخية المشرِّفة، ومعها أحرارُ الوطن، استنقاذا لبقية الوطن الباقية، قبل ضياعه وانهياره بفعل آلة الفساد وسياسته.
 
ونُبَشِّرُ شعبنا الأبيَّ، ونقول له : لا يَهُولَنَّك هذا الضجيج، ولا تَلتفت إلى هذه الجَلَبةِ المفتعلة، ولا تنظرْ إلى الوراء، واعلم أنه إذا علا الصوتُ عند باب غرفة العمليات، وكَثُرَ النّحيبُ والنِّواح، وتعالى الصُّراخُ، وكان فُقدان التّوازنِ في الموقف والقرارِ هو سيدُ الموقف، فاعلم أنّ مَشروعَ الفساد يحتضرُ، وأن أصحابه يَلفُظون أنفاسهم الأخيرة، وهم يُثيرون هذه الزَّوبعةَ لعلهم يَحجُبونَ الحقيقةَ عن العُيون المراقِبة، ويُعطونَ الفرصةَ لمهندسي الفاسدِ وعباقرتِه، لاستدراك الموقف، وإعادة الأنفاسِ لمشروعهم المتهالِك، لكنّ هيهات هيهات، فمطلبُهم عزيزٌ وصعب المنال، وأملُهُم في استبقاءِ مَشروعهم بات مُستحيلٍ، أمامَ وَعي الشَّعبِ، وهدير الشارع. 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد