كهربا ماكو

mainThumb

08-10-2012 10:50 AM

 توافدوا الى السليمانية لصون ود قديم بينهم. حفنة رجال من انتماءات مختلفة ارتكبوا باكراً حلم إطاحة صدام حسين ودفعوا الثمن باهظاً. هذا قاتَلَ طويلاً في الجبال، والثاني أفنى بعض عمره في العمل السري، والثالث جرّب سجون «البعث» وويلاتها. كان اللقاء جميلاً وشاءت المصادفة أن أكون حاضراً.

 

كنتُ مسروراً بحجم التغيير الذي لمسته بعد غياب دام سنتين. أربيل تسابق الوقت وتحلم أن تكون دبي أخرى. أبنية شاهقة ومجمعات تجارية وحيوية استثنائية وتسابق بين الشركات والمستثمرين وبيوت مضاءة وشوارع مضاءة. السليمانية تسلك الطريق ذاته، كأن أهل إقليم كردستان العراق قرروا تعويض السنوات الطويلة الضائعة. غاب حديث آلام الأمس مخلياً المكان لحديث التقدم والإعمار والاستثمار والاستقرار. سألني جاري في العشاء عن انطباعاتي فعبّرت عن تقديري وتجاهلتُ الأسئلة التي هاجمتني لدى مرورنا على أطراف كركوك.
 
أفرحني أن سلطات إقليم كردستان أوكلت قبل سنوات ملف الكهرباء الى القطاع الخاص وتنبّهت الى شراهة الفاسدين. كانت الحصيلة أن الكهرباء مؤمّنة في الإقليم على مدار 24 ساعة، وأنه يبيع حالياً الفائض لديه للمحافظات المجاورة. فرحتُ لأنني مصاب بعقدة الكهرباء بسبب انتمائي اللبناني. قبل عقود وبفعل الحرب أصيب لبنان بنكبة كهربائية لم يخرج منها بعد على رغم ضياع بلايين الدولارات وتبدّل أسماء الفاسدين والدجالين. لم أشرك جاري في مشاعر الحسد هذه، خصوصاً أنني أعتقد بأن الظلام الناتج من غياب الكهرباء في لبنان هو مجرد جزء من ظلام واسع يحدق به.
 
ويبدو أن الحسد هاجم جاري وكهرب مزاجه ففاحت مشاعره العراقية قرب منتصف الليل. قال: «تصور يا عزيزي أن بلداً ينام على آلاف السنوات من الحضارة، ويعوم على بحيرة من النفط، وتزيد موازنته السنوية على 120 بليون دولار، وأنفق حتى الآن عشرات البلايين لإعادة الكهرباء وعلى رغم ذلك كهربا ماكو (غير موجودة)». وأضاف بمرارة: «نتحدث عن استعادة دور العراق، وإقامة علاقات متوازنة مع أميركا، وعلاقات ندية مع تركيا وإيران، وعن العراق الواعد والقوي وكهربا ماكو».
قال ان حيتان الفساد تلتهم ثروة العراق الذي يتعرض لعملية نهب يفوق ما تعرضت له روسيا لدى خروجها من ركام الاتحاد السوفياتي، وأن بغداد والبصرة والناصرية والنجف وسائر المدن تغرق في ظلام دامس وتحولت الى غابات من أسلاك المولدات.
ذهب أبعد في الحديث. قال ان مأساة التيار الكهربائي مجرد جزء من مأساة انقطاع كهرباء التعايش بين العراقيين. وأعرب عن خشيته من تنامي الرغبة في الطلاق بين السنّة والشيعة، خصوصاً إذا سلكت المكوّنات السورية طريق الطلاق تحت وطأة المذبحة المفتوحة هناك.
 
كهرباء التعايش مقطوعة في إقليم الشرق الأوسط. صحيح أن سورية تعيش انتفاضة وثورة شعبية، لكن الصحيح ايضاً أن لبعض المشاهد هناك نكهة يوغوسلافية تُنذر بآلام طويلة. تكفي إشاعة في مصر عن عملية خطف أو زواج مختلط أو عبارة بذيئة لينزلق مسلمون وأقباط الى تأكيد انقطاع تيار التعايش. الكهرباء مقطوعة ايضاً في البحرين. النقاش حول قانون الانتخاب في لبنان يبطن أزمة مكوّنات.
 
انقطع تيار التعايش وصارت كل مدننا المختلطة شبيهة بكركوك. مدننا تزداد كآبة وعتمة وخوفاً. كهرباء المواطنة مقطوعة وكهرباء الدولة ايضاً وكهرباء المؤسسات.
 
نقف الآن على أعتاب ظلام مديد. كهربا ماكو.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد