الرمال المتحركة في الصحراء ..

mainThumb

25-06-2014 07:31 PM

كحال الكثير من المجتمعات العرببة، يمكننا تقسيم المجتمع المصري بصفة عامة إلى شريحتين متناقضتين متباينتين وهما : الأقلية المترفة والتي تشمل : أصحاب الملايين والمليارات والثروات الهائلة والتي جمعت بطرق معروفة وغير معروفة ، وآكثر هؤلاء من المولعين بالسهر والرقص والكأس والشيشة والحشيشة  ....  أما القسم الأكبر من المجتمع المصري فهم : الفقراء المكافحون بصمت في هذه الحياة ، والكادحون المشتتون في أجزاء„ من هذه الدنيا  طلبا” لعيش الكفاف وللستر ... ؛ أما الطبقة الوسطى فقد تآكلت وتبخرت مع مرورة الزمن  والتحق أكثرها بتلك الأكثرية الكادحة والمحرومة .

وهذه الصورة راسخة ومتأصلة ومنذ فترة„ طويلة„ في مصر ، وتناولها الإعلام المصري في  كثير„ من مسلسلاته وبرامجه وأفلامه ، واجتهد المتعاقبون على السلطة لتكريسها ولتعميقها في وجدان وعقول وأذهان المجتمع المصري ، حتى إستقرت مشاعر الأسى واليائس والكبت في نفوس الكثيرين من الشعب المصري  ؛ والذين رددوا دائما” عبارات الخوف والحرمان والألم ؛ ( أنا غلبان ؛ أنا عاوز آكل عيش وبس ؛ وأنا مالي ومال السياسة والرياسة ووجع الرأس ، واليد اللي ما تقدرش عليها بوسها يا عم ! ... إلخ ) .

وإعتمد الساسة على كثير من هذه المقولات البائسة  لتثبيت أنفسهم في السلطة وفي الحكم إلى الأبد : ( لازم أجدد الولاية الثانية والثالثة والعاشرة والمليون للسيد الرئيس !!! وهأبصمله دايما” بالعشرة ؛ يا عمي ؛ الوجه اللي تعرفه أحسن من الوجه اللي ما تعرفوش !  ... إلخ !!! ) .

وقد إستفاد الممسكون بمقاليد الحكم والسلطة كثيرا” من تسويق مثل هذه العبارات التي تكرس مشاعر الدونية والعدمية والإقصاء والتهميش ، وتغذي الخوف والرعب وتبعد أي أثر ممكن للأغلبية الصامتة على المشهد المصري ،  ودفع الممسكون بالحكم وبالسلطة بتلك الغالبية المسحوقة للتشرد في هذا العالم الواسع بحثا” عن العيش الكريم ورغيف الخبز  ، وأقنعوا الكثيرين منهم ؛ بأن الذروة في تحصيل اللقمة !

وحاولوا إقناع العالم من حولهم ؛ بأن الشعب المصري المحروم بغالبيته لن يتمكن أبدا” من بلوغ نضجه السياسي المطلوب ،والذي سيؤهله لممارستة الديمقراطيته على المدى القريب والبعيد ! ورددوا كثيرا” : بأن الديمقراطية لن تناسب الشعب المصري المحروم والباحث عن رغيف خبزه المفقود ، ثم ردوا أمام وسائل الإعلام : إن الفقير والمعدم لن يحسن الإختيار أبدا” ؛ وان حدث وإختار هذا الفقير فلن يختار الأفضل ، وسيجلب إلى السلطة المتشددين والمتطرفين والإرهابيين والظلاميين !!! هذا ما روج له الممسكون بزمام السلطة المصرية دائما” عبر وسائل الإعلام !

وعندما قامت ثورة المصريبن في 25 / 1 / 2011 م ، حطمت القيود وقلبت الموازيبن والمقاييس لصالح الغالبية الكادحة والصامتة ، وتبدلت الإنطباعات السائدة وسقطت الطبقية المقيتة ، وتلاشت التقسيمات الظالمة ، والتي سيطرت على المجتمع المصري لعقود طويلة ، فثورة الكادحين التي طردت الخوف والجبن والصمت ولفظت ثوب الدونية والعبودبة وقلبت المشهد المصري رأسا” على عقب ...

كانت الثورة المصرية مفاجئة للعالم أجمع ؛ وراقب الكثيرون هذه الثورة بمنتهى الذهول وهم يشاهدون الطوفان البشري المندفع لإقتلاع الظلم والفساد والإستعباد ، وتمكنت هذه الثورة وخلال أيام معدودة من كنس أخطر أوكار العمالة اليهودية في عالمنا العربي والإسلامي ؛ واستبشر كل أحرار مصر والعرب والعالم بهذا الإنتصار العظيم للحرية وللغالبية في مصر .

وتنفس الشعب  المصري الصعداء ، وفرح الجميع لدحر الفساد والظلم والذي خيم على صدور المصريبن لعشرات السنين ، ولأول مرة في التاربخ المصري الحديث يتحقق للغالبية المهمشة دورها وحريتها المطلقة في إختيار من يمثلها وبطريقة الإنتخابات الديمقراطية الصادقة والشفافة ؛ وهي الإنتخابات التي حملت لكرسي الرئاسة المصرية : مرشح الغالبية الصامتة والكادحة والمحرومة والمهمشة والمغيبة منذ عشرات السنين  : الرئيس المتواضع والحافظ لكتاب الله ولحدوده : محمد مرسي ...

لم تستسلم الأقلية الفاسدة والثرية والمترفة والمتلاعبة بمقدرات الشعب المصري لخيار الأغلبية المسحوقة والمهمشة ؛ وبدأ هؤلاء الفاسدون في تنفيذ خططهم المعدة سلفا” لإسقاط خيار الشرعية عندما شعروا بأنها ستهدم كل منجزاتهم ومصالحهم المبنية على إستغلال وتهميش الغالبية ؛ وقاموا بتجييش الناس العاديين في الطرقات والميادين ودفعوا بالأثرياء وبالأغنياء والفاسدين والفنانين للتظاهر والإعتصام في الميادين والطرقات ، وكان الهدف هو : إفشال التجربة الوليدة وشلها عن الحركة  !!! إلى أن جاء القرار من ( حماة الإستعمار  ) بالإنقضاص الدموي  على خيار الشعب المصري وعلى خيار الديمقراطية الوليدة ودون رحمة ...

وأنا أتابع كل ما فعله الإنقلابيون ولا زالوا يفعلونه إلى اليوم في مصر العروبة والإسلام بدء” : ( بالخيانة ، وبالقتل العشوائي ، وبحرق الناس دون حساب ،  وبتعذيب المسالمين ، وترويع الآمنين ، وإنتهاء” بتبرئة القتلة والمجرمين ، وبتجريم الأبرياء والصادقين ... ) جزمت بأن كل علامات الساعة المذكورة في الأحاديث النبوية الشريفة ظاهرة اليوم في مصر المغلوبة على أمرها ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خُدَّاعَاتٌ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ , وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ , وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ , وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ  . قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ قَالَ :  الرَّجُلُ التَّافِهُ يَنْطِقُ فِي أَمْرِ الْعَامَة .

فالإنقلابيون لم يصادروا خيار الأغلبية الصامتة والمسحوقة فقط ؛ ولكنهم أعادوا مصر لعهود الذل والعبودية والظلم والإنحظاط والتسول والتخلف ! ولكن مصر العروبة والإسلام لن تركع أبدا” ؛ ولن تستبدل الفجور بالتقوى ولن تستبدل الأدنى بالذي هو خير !!!

وإنني أدعوا الأخوة المصريين لمراقبة المشهد المصري بتجرد„ وعقلانية وتمعن ، وسيعلمون بعد ذلك أين هم الأخيار وأين هم الأشرار ؛ وأين هم البررة وأين هم الفجرة ؛ وأين هو الحق وأين هو الباطل !!!

عندما إنقلب السيسي على الإسلاميين ثم قتلهم وزجهم في المعتقلات والسجون ، وعندما شدد الحصار على غزة الاسلامية المقاومة للاحتلال  ؛ قلت في نفسي : إن كرهه للاسلامين قد دفعه لهذه الأفاعيل !وقلت قد يكون قوميا” وعروبيا” ويتلمس خطى عبد الناصر كما يردد مؤيدوه في مصر ؛ ومرت الأيام وقام بغلق جميع القنوات العراقية الداعمة للعرب الثائرين في وجه الظلم والطغيان ، وساند الأعمال التي تمارسها حكومة المالكي الكارهة للعرب والساعية لإبادتهم ولتهميشهم في العراق ! فقلت عندها : إنه ليس بإسلامي„ ولا عروبي„ ولا قومي ... وقررت أخيرا  : بأن الإنقلابي رمال متحركة ولن تثبت على شيء أبدا” !!!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد