مصر التي في خاطري

mainThumb

14-09-2014 10:16 PM

تعتقد شريحة لا بأس بها من الرأي العام المصري ولا سيما المثقفين والمثقفات بأن الكثير من إخوانهم العرب يريدون قتال العدو على حسابهم أو لآخر جندي أو مواطن مصري كما يعتقدون، بحيث لا يتحمل  أي العرب أي عبء أو مسئولية ، وهذا غير صحيح على الإطلاق ، ولكن للأسف ترسخ هذا الاعتقاد الخاطئ منذ انقلاب السادات على رفاقه من الوطنيين والقوميين الأحرار وإيداعهم السجون والمعتقلات حيث بقي معظمهم مسجونا حتى بعد مقتل السادات ونيله الجزاء العادل وعلى يد أصحاب الخط الإسلامي المتشدد الذي تحالف معهم لضرب رفاقه بالأمس من القوى الناصرية وغيرها .

وان بدأ هذا الاعتقاد لدى هذه الشريحة من المصريين بشكل خجول ولكنها تعمقت بعد حرب أكتوبر تشرين الأول التي جعل منها السادات حربا للتحريك وليس للتحرير ، لذلك أراد أي السادات والمستفيدين من حكمة في الداخل والمؤيدين لسياسته في الخارج وعلى رأسهم أمريكا والعدو الصهيوني والإعراب الخونة شماعة لتعليق خيانته وانحطاطه واستسلامه لعزيزة هنري كيسنجر وزير خارجية اسراميكيا الشهير ، وانطلاقا من ذلك قامت الأقلام وألافواه الحاقدة المدفوعة الأجر من فلاسفة الهزيمة والخراب تنشر ثقافة الاستسلام والانحطاط وتردد مقولات كثيرة على رأسها ما نسمعه اليوم منذ نهاية حرب أكتوبر ،( ماذا استفدنا من العرب ) وزاد على ذلك الرفض العربي لجريمة السادات في كامب ديفيد بما في ذلك الذي أيدوه وشجعوه على كسر الحواجز والدوس على المحرمات والمقدسات ومن هؤلاء حسن الثاني عاهل المغرب الذي كان أول من استضاف اللقاءات السرية بين مندوب السادات حسن التهامي ومندوب الكيان الصهيوني موشيه ديان وكذلك نظام آل سعود الذي أيد السادات سرا ولكنه أي السادات الذي جعلت منه الصحافة الصهيونية لمصلحتها حكيم زمانه أراد أن لا يشاركه أحد ومضى في أوهامه وأحلامه وخيانته إلى ما رفض حتى الصهاينة أنفسهم تصديقه بعد أن سلم نفسه للأوهام الصهيو أمريكية وأن مشروع مارشال الأمريكي الجديد سيجعل لكل مواطن مصري بيتا وسيارة كما حدث في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية بمشروع مارشال الشهير .

 والغريب حتى العدو الصهيوني حذر السادات من الإفراط بالأحلام والخيال على حساب الواقع ولعل الحوار الشهير بين السادات والقادة الصهاينة في واشنطن وتل الربيع المحتلة ، عندما اخذ السادات يشبه رحلته المشئومة لفلسطين كرحلة أول رجل وضع رجله على سطح القمر ونهره عايزر وايزمان صديقه الحميم وليس بيغن المتطرف الذي طالما أهان السادات أمام الجميع حيث قال وايزمان سيادة الرئيس (  حتى الإنسان الذي وصل للقمر رجع ليعيش الواقع على الأرض )  .

وانطلقت بعد ذلك الأقلام المسمومة في مصر التي تمول من أعداء الأمة والإعراب الذين كانوا يؤيدون السادات سرا وينتقدوه علنا تمشيا مع الموقف العربي الشعبي وحتى الرسمي الرافض لخيانة السادات ، تبالغ تلك الأقلام  بالعداء وتنشر الكراهية والفرقة بين مصر وأمتها العربية وأنشأت صحفا ومجلات وبعد ذلك محطات تلفزة لذلك الهدف المشبوه تحييد اكبر قوة عربية بهدف إضعافها أولا ثم إبعادها عن عمقها وأمنها القومي أي محيطها العربي  .

 وحقق الصهاينة حلمهم التاريخي بمصر الضعيفة ودويلات عربية هزيلة مباحة أمام العدو وأنجزوا للأسف ما تعهدوا به لشعبهم في الأيام الأولى لحرب أكتوبر بأن ما حدث من مفاجئة العدو يجب أن لا يتكرر وأن لا يعود جمال عبد الناصر آخر  ، وبالفعل كان عبد الناصر آخر القادة العظام وكانت حرب أكتوبر آخر ثمرة جهده الذي لم يشاهدها وبعد ذلك أصبح الشعار للآسف ( انجي يا سعد فقد هلك سعيد) وزاد الأمر تعقيدا أن مصر التي أوهمها السادات بمشروع مارشال الأمريكي  الجديد وجدت نفسها تغرف بالقبضة الأمنية التي أفرزت الفساد والإفساد والاستبداد الذي أصبح البديل بعد أن تبخرت أحلام الرفاهية المزعومة ، وزادت القبضة الأمنية عن حدتها لمنع الانفجار الشعبي الذي حدث بالفعل في يناير كانون الثاني  عام 1977 ليعاد بعد ذلك وينفجر في يناير كانون الأول عام 2011 م ، والذي عرف بثورة 25 يناير المباركة التي تلتها حركة التصحيح العظيمة في 30 يونيو حزيران التي أعادت مصر للمصريين مرة أخرى بعد محاولة اختطافها لمحور تركيا التي تريد دورا لها في المنطقة بعد أن رفضها الاتحاد الأوروبي أن تكون بوابة له أو محطة محروقات  واكتفى بجعلها قاعدة عسكرية لحلف الناتو الذي تقوده أمريكا.

رغم كل ذلك وبدون خجل لا زالت الأصوات الشاذة في مصر ترفع صوتها داعية  للتفرقة بين مصر وأمتها العربية انطلاقا من مقولة ( مصر أولا) التي سارت عليها بعد ذلك بعض الأنظمة العربية وكانت النتيجة ما نرى ونسمع ونشاهد وكأن الجغرافيا والتاريخ المشترك منذ الآلاف السنين يكتب حسب الأهواء الشخصية أو المدفوعة الأجر .

أما في العدوان الصهيوني على غزه رأينا بعض الأصوات التي من يسمعها يعتقد أن المصريين سوف يتطوعوا في جيش الدفاع الصهيوني حسب تعبير المثقفة المصرية سالي فؤاد .

هؤلاء هم دعاة الهزيمة ومروجي ثقافة الفساد والاستبداد حيث اغلبهم مأجور أو جاهل خارج التاريخ لا يعرفوا ولم يقرأوا تاريخ مصر الذي ارتبط أمنه القومي بسوريا الكبرى (بلاد الشام) أي المشرق العربي منذ عهد الفراعنة وصولا لمحمد علي باشا الذي أراد وحدة مصر وسوريا الكبرى ولكن المستفيدين من التجزئة التي تهدف لزراعة الكيان الصهيوني في ذلك الوقت ضربوا مشروعه عام 1845 وأرغموه على التقوقع داخل مصر ونفس هذا البطل محمد علي باشا من رأى مصلحة الأمة العربية والإسلامية وعلى رأسها مصر بمحاربة الإرهاب والتطرف وهو أول من انتبه لذلك حيث دمر الدولة الوهابية الأولى بالدرعية في الجزيرة العربية عام 1842م ، وعلى نهجه سار الزعيم جمال عبد الناصر الذي كان أكثر تأثيرا وحضورا ولكن ضرب مشروعه الوحدوي هو الآخر منذ أن بدأ بالعدوان الثلاثي وعندما فشل كانت نكسة حزيران يونيو عام 1967م .

وللتاريخ نذكر دعاة الهزيمة والانحطاط والتقوقع في مصر بأن صحفي أمريكي صهيوني الهوى ذهب إلى ديفيد بن غوريون وأخبره أنكم تبالغون في العداء للنظام المصري الجديد وأضاف لقد قرأت أهداف الثورة المصرية ( أسماها الانقلاب) لم تشر إليكم وهي تركز على نهضة مصر بالأهداف الستة الشهيرة وغيرها ، وهنا صاح بن غوريون لذلك الصحفي  انك غبي ،  ومصيبة إسرائيل تبدأ من هنا بمعنى أنه لا يريد مصر إلا  ضعيفة وهزيلة كما كانت أيام فاروق ،  واليوم للأسف لم تنظر مصر لمصالحها التي حددها الزعيم جمال عبد الناصر بالدوائر الثلاثة العربية والإفريقية والإسلامية .

وعلى هذا الأساس ورغم كل تحفظنا وعدم رضانا ورفضنا لموقف النظام المصري الجديد من العدوان على غزه ، ولكن نتمنى أن لا تكون تلك الأصوات الشاذة التي أصبح لها قنوات وصحف معروف سلفا من يمّولها معبّرة عن نظام الرئيس السيسي وهي بالمناسبة تستخدم اسم الرئيس السيسي كما استخدمت من قبل أسماء السادات ومبارك وبعضهم حتى اسم مرسي العياط وأن يوضع حد لهذا الإعلام المنفلت والمجرد من كل القيم والأخلاق ، وأزمة مصر بعد ثورة يناير اقتصاديا لم يساعدها إلا بعض الإعراب وان كان ذلك من اجل مصالحهم حيث عرف الجميع ماذا يعني غياب أو تغييب دور مصر التاريخي .

وسبحان الله الذي جعل شخصا مثل عمرو بن العاص ذلك الإعراب القادم من الجزيرة العربية بعد فتح سوريا الكبرى حيث كان احد قادة الفتح يرسل للخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليقول له إذا لم تأذن لنا بفتح مصر فلا فائدة من فتحنا لسوريا الكبرى أو بلاد الشام وسوف ارجع إليكم في الحال إذا لم تسمحوا بذلك ، وهكذا عرف عمرو بن العاص بفروسيته المعروفة مصلحة الأمن القومي العربي المرتبط مع بعضه البعض ، ولم يفهم ذلك للأسف المدعيين للفكر والاستنارة في القرن الواحد والعشرين .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد