لا سبيل للخلاص سوى الصمود

mainThumb

01-10-2014 09:49 PM

تقول أم كلثوم خفف الله عذابها : فما أطال النوم عمرا , ولا قصّر في الأعمار طول السهر . وها هي كل العلوم قد خالفت عمر الخيام في رأيه , ولم تبالي يوما بطربه ولا أشعاره .


ولكنني اعتدت على السهر منذ أن كنت جنينا , ولا زالت تلك عادتي , فأنا من يوقظ الديك في الأسحار , مع أنه طالما أخبرني أنّ شهريار لا يصلي الفجر حاضرا , متوسلا أن أتركه يغفو نصف ساعة أخرى .


وبما أنّ قدري أن أكون طبيبا , فقد استمرت حياتي بين سهر وسهاد , فالليل للويل أخفى , والداء لا يبالي بساعات الدوام وعطل الأعياد , ولا يرفق بجفون وقد أعياها طول السهر .


وفي احدى الليالي , سهرت في المناوبة مع طبيب الباطني حتى تنفسّت المآذن مع استيقاظ الفجر والناس نيام , فقد كان الحديث لا يسمح للمستمع أن يرمش , ولكنّ صديقي قد صبر على كلامي صبر أيوب في ذلك اليوم العسير .


كنت أحدثه يومها عن مجتمع يحاصره الفقر والمرض من كل حدب وصوب , وها هي محنة الماء في الصيف , ومحنة الحطب في الشتاء . فلا حيلة لنا فيما قد حلّ بهم . وبما أنّ المجالس مدارس فلقد علّمني بعض من عالجتهم : أنّ ما ينقصنا هو الأمل , ولا خير في طبيب ينزع الأمل من صدور من يعالجهم . حتى ولو كان ذاك هو حالهم , فنحن لسنا سببا في الحياة ولا الممات , والشافي هو الله .


استرسلت في حديثي حتى بان الخيط الأبيض من الأسود , فقاطع الزميل حديثي مؤكدا صدق حكمتي في مهنتي , وقال وقد قارب على الغيبوبة : نعم يا صديقي نحتاج الى الأمل كي نقوى على العيش ونهزم المرض , ولكنّ الإنسان بحاجة الى ما هو أهم من كل ذلك .


فقلت له وقد ازداد فضولي : وما هو أهم من الأمل يا صاحبي .


فقال : النوم يا حسام , اتركني أنام عفا الله عني وعنك , وختم قائلا : ذبحتني اليوم يا صاحب الأمل والحكمه .


بعد تلك الحادثة قررت الا أكرر ما فعلته مرة أخرى , فلقد أثقلت عليه ليلتها , ولقد كنت صادقا في وعدي .


فلا داعي أن أزعجه مرة أخرى طالما أن هناك مناوبين غيره .


وفي الختام اقبلوا نصيحتي كطبيب أيها الزملاء الكرام : لا سبيل لكم للخلاص سوى الصمود , أو ما تيسّر من طلبات النقل الجماعي .


دمتم بخير
 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد