المسئولية بين الريادة والطوطمية

mainThumb

15-11-2014 11:44 AM

لعل من أكثر ما يعانيه المسئول العربي انعدام الرؤية وتبدد الجهود، ونضوب الهمة، فلا رؤية لديه ليسير على منوالها، ولا قدرة مجتمعة في أفعاله فيستيفيد منها للإنتاج، أما الهمة فهي مشغولة بأشياء قد تفيد وأكثر الظن أنها لا تفيد...


ولكن الناظر في أحوال الأمة لا يقف فقط عند هذه الثلاث مكونات للفعل، وإنما يضيف لها مكوناً هاماً ومفصلياً وهو الدافع إلى الإنجاز، فيسأل نفسه سؤالاً مختصراً: ما الدافع إلى الإنجاز في نظر المسئول العربي؟


إن الباعث للقيام بأي عمل يساهم في صناعة الدافعية التي تجعل من المرء قادراً على فعل المستحيلات –في نظر البشر- فهي تُسِّيره ليكون شخصا ً آخر بأفكار خلاقة، وجهود جبارة، يواصل الليل مع النهار، يحاكي كل ما هو ناجح ومتميز، يبحث عن الأصلاء في النفوس والكفاءات في العمل ليوظف عقولهم، ويستثمر قدراتهم، ينقب في أرض بلاده وترابها ليستخرج من الطين أعظم الحضارات، ففي التراب يزرع وبالحجر يبني، ومن الماء يسقي ويشرب، ومن النفط والنحاس والحديد وغيرها يقيم صناعة تتحول ببلاده من تابع إلى متبوع...


في مثل هذه الحالة يصبح القائد رائداً،  والمسئول فاعلاً، والمواطن منتمياً، انتماء ينبثق من داخله فلا يحتاج لشرطي ولا لمراقب ولا لمفتش ليقيم أفعاله، بل يحكم عليها بملء إرادته وكمال نيته، فالإخلاص في القلب والوطن في الفؤاد، فلا الوطن في اليد يباع فيه ويشترى، ولا الإخلاص رهين المصلحة أو أجير السلطة والمتنفذين.


وإذا أردنا أن نخرج بأوطاننا من الحالة الراهنة فعلى المجتمع نفسه أن يخرج بنفسه من قوقعة المصلحة الشخصية، لينشد في نفسه إنساناً آخر فيجبر المسئول على أن يتحول بكليته أو ينتج المجتمع مسئولاً آخر في روحه وجسمه ينتمي لمجتمعه قلباً وقالباً، ولن يتحرك هذا الشعور فينا إلا إذا عرف كل واحد منا ماذا يريد من الوطن؟


ورضي الله تعالى عن بلال الحبشي الذي استوقف عمر بن الخطاب خليفة المسلمين على المنبر عندما طالبه بالسمع والطاعة، فقال له: لا سمع لك علينا ولا طاعة حتى تقول لنا من أين أتيت بفضل ثوبك الذي تلبسه؟، فلم يعنفه عمر، ولم يقم الحرس أو الشرطة بسحبه ولا سحله، وإنما اكتفى بإظهار الأمر على حقيقته، ليقوم بعدها من جديد فيقول له: الآن يا عمر سمعاً وطاعة...


أما الآن فإن الأمة تعيش حالة مع المسئول الحكومي تجعل منه وجيهاً لا قائداً ولا رائداً، فهو يتعامل مع من هو مسئول عنهم بمنطق (الطوطم) الذي يستحوذ على كل شيء، ولا يترك لأفراد القبيلة إلا فتاته الذي تأبى نفسه أن يأكله أو يحوزه.


متى فقدت الأمة هذا المعيار معيار مساءلة الموظف المؤتمن عن أمانته، والمسئول عن مسئوليته، يتحول الناس إلى عبيد في ثياب أحرار، لا يعرفون عبوديتهم الحقيقية إلا بعد أن يلمسوا آثار السياط على جلودهم وهم يضربون ممن كان الواجب أن يساءلوا لا أن يتحكموا، وأن يبرهنوا على صدقهم لا أن يتفرعنوا ويتجبروا...قال الله تعالى: (وقفوهم إنهم مسئولون) صدق الله العظيم.
 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد