جمال عبد الناصر الحاضر الغائب

mainThumb

19-01-2015 02:40 PM

في يوم الخميس الماضي الخامس عشر من كانون ثاني ، مرت على الأمة العربية الذكرى الـ96 لميلاد الزعيم جمال عبد الناصر في ظل ظروف ومستجدات لم يشهدها تاريخ الأمة الحديث منذ قرون ، حيث أصبحت مهددة في هويتها وثقافتها بعد الأحداث الدامية التي شهدتها الأمة منذ مطلع القرن الواحد والعشرين ، بدءا من احتلال العراق الشقيق وإسقاط قيادته الوطنية عبر أعداء الأمة وليس إرادة شعبية وصولا لما يسمى بالربيع العربي الذي وجد من يستغله أبشع استغلال ويوجهه لمصالحه الخاصة بعد أن أفقدت الأنظمة المستبدة ألأمة كينونتها والشعب حيويته .

 وتصحرت السياسة وأصبحت كالبركة الفارغة التي لا يستطيع أحد النزول إليها حسب تعبير الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل ، حيث وجهت أحداث الانتفاضة العربية التي يسمونها ربيعا من أمريكا وأعداء الأمة  ، الأمر الذي جعل الشعب العربي في أغلب الأقطار العربية يصبح من متشجع ومتحمس إلى حذر وحتى رافض لتلك الانتفاضة الشعبية التي بدأت صحيحة بإسقاط أكبر طاغيتين في تونس ومصر ، ولكن بدلا من إسقاط ما تبقى من أصنام الامبريالية الأمريكية ، وجدنا من يوجه الأحداث من الخارج وعبر أدوات منحرفة من الداخل خائنة باعت وطنها للشيطان الأكبر .

 وبدلا من إسقاط الأصنام المصنوعة في لندن وواشنطن وجدنا الأمر يصبح مؤامرة على الأقطار الممانعة والمختلفة مع الامبريالية الأمريكية ، والمأساة أن أبواق ما يسمى بالربيع العربي ومنظريه كانت أسوأ الأنظمة في التاريخ الإنساني وأكثرها قمعا للحريات العامة التي لم تشهد عبر تاريخها حتى انتخابات أصغر مجلس قروي في الأوطان التي تحكمها ، وهكذا وعلى طريقة إسقاط نظام الشهيد صدام حسين جرى إسقاط العقيد معمر ألقذافي واحتلال ليبيا وإغراقها بالحرب الأهلية حتى أصبح قادة الحرب من خريجي غوانتاناموا التي أعدتهم أمريكا جيدا ، وأرادوا استنساخ التجربة الليبية مع سوريا الصامدة ، إلا أن أهدافهم ومؤامراتهم سقطت وانكشف المستور خاصة عملاء أمريكا من إعراب اللسان .

ورغم كل المآسي والضحايا والمشردين في سوريا إلا أن صمودها الأسطوري وتضحية شعبها العظيم أعادت الوعي والصواب لكل من ضل الطريق وتاهت به السبل الأمر الذي أسقط حلفاء الإرهاب في مصر وسرعان ما انتبه الشعب المصري بعد أن عاقب نفسه بوصول الإرهابيين للسلطة ومحاولتهم إعادة مصر للقرون الوسطى ، وهي البلد المدني صاحب التاريخ والحضارة الممتدة سبعة آلاف عام .

وقد قام شعبنا في مصر بأعظم حركة تصحيح لثورته المباركة يوم 30 حزيران يونيو ولا يزال هذا الشعب ينتظر ما يستحقه من تقدم ديمقراطي حقيقي يعيد له حقه المهدور منذ 44 عاما من التبعية لأمريكا التي لم تجني منها مصر سوى الفقر والبطالة والإرهاب ، حيث أعطى ذلك أرضا خصبة لدعاة الظلام التكفيريين من أعداء التقدم والدولة المدنية لكل شعبها العظيم .

في ظل هذه الظروف السالفة الذكر ، تأتي ذكرى ميلاد الزعيم جمال عبد الناصر الـ96 ذلك القائد العظيم الذي ولد وعاش واستشهد من اجل المبادئ والقيم العليا لشعبه وأمته ، حيث كانت مصر في عهده الحاكم الناهي في وطنها العربي الكبير ومنطقتها ، الحاكم الذي في عهده أصبح العالم كله ينتظر ماذا ستقول وتقرر مصر .

الزعيم جمال عبد الناصر ليس مجرد حاكما جاء عبر ثورة عظيمة من الانجازات لصالح الغالبية العظمى من الشعب المصري ولكنه عمل وكافح ، وكانت قوته وإرادته مستمدة من مصر وشعبها العظيم وأمته العربية ولولا موقع مصر وتاريخها لما كان جمال عبد الناصر ، فهو الذي حدد مصالحها وارتباطاتها المستمدة من الثوابت الحقيقية التاريخ والجغرافيا وليس عبر المتوسط كما يحلم دعاة التغريب في مصر ، حيث وضع في كتابه الشهير (فلسفة الثورة) الذي يعتبر إنجيل ثورة 23 يوليو المجيدة أن مصالح مصر مرتبطة بالدوائر الثلاثة وهي العربية والإفريقية والإسلامية ، ولذلك آمن به الشعب وناصره منتصرا ومهزوما واحتضن مشروعه الذي يعّبر عن إرادة الأمة من المحيط إلى الخليج ، ولا يزال مشروعه التحرري هو الحلم العربي الذي لم يكتمل حتى اليوم رغم كل ما يوحد الأمة ويجمع بينها ، كما أشار الزعيم نفسه من التاريخ المشترك والجغرافيا والثقافة إضافة لرسالات السماء التي جميعها خرجت من بلادنا العربية ويحاول أعداء الأمة محاربتنا بها للأسف تارة باسم المسيحية وتارة باسم الإسلام واستغلال المتطرفين من كل الأديان بضرب الكل بالكل ،والمسيحية الحقيقية السمحاء خرجت من بلادنا كما خرجت أيضا اليهودية والإسلام أخيرا وكلها رسالات جاءت لتكون هدى للناس ورحمة وعبادة الله وهي ما تجمع عليه كل الأديان .

لقد ناضل عبد الناصر من اجل القيم العليا التي أكدت عليها كل الرسالات السماوية وأهمها العدالة الاجتماعية ، لذلك قيمة عبد الناصر التي فاقت كل القوى السياسية انه استطاع إخراج السياسة التي تخدم أهداف الأمة من حديث الصالونات والنخب إلى الشارع وهذا ما عجزت عنه كل القوى السياسية في الوطن العربي التي بقيت نخبويه حتى لمن وصل بها للسلطة .

وسيبقى الزعيم جمال عبد الناصر القيمة والرمز لكل دعاة الحرية والوحدة والاشتراكية .

رحم الله الزعيم جمال عبد الناصر يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد