آفة الإرهاب

mainThumb

24-01-2015 01:46 PM

تجتاح العالم اليوم موجة من الإرهاب اختلط فيها الحابل بالنابل واستخدم هذا المصطلح في غير موضعه لتحقيق أهداف سياسية بعيدة كل البعد عن قدسية الحياة .

لا يختلف اثنان على ان الإرهاب مرفوض جملة وتفصيلا كائنا ما كان مصدره وتحت أي مظلة جاء لان الإرهاب اعتداء على حق الناس في الحياة التي قدسها الإسلام وعادل حياة الفرد الواحد بحياة الناس جميعا .

ونتيجة لتعارض مصالح القوى العظمى التي تتجاذب العالم هذه الأيام ولسياسات مارستها الدول الغربية في الشرق العربي من إفشالها للعديد من دوله في العراق وسوريا وليبيا واليمن وغيرها من الدول جعلت منها حاضنات ومفرخات للتطرف نتيجة لقتل مئات الآلاف من الشباب وترميل النساء وتيتم الأطفال بطائرات وصواريخ  وبوارج وجنود  الدول الغربية  التي جاءت الى الشرق تحمل شعارات نشر الحرية والديمقراطية والمساواة فكانت النتيجة ما آلت إليه الأمور من تشرد وجوع وتمزيق للمجتمعات وتفجيرها على أسس اثنية وطائفية ومذهبية ولدت جماعات متطرفة تنبت في هكذا بيئات وزاد الأمر سوءا على سوء إصرار بعض المؤسسات والأفراد في الغرب على الإساءة الى مقدسات الشرق من إسلامية ومسيحية تحت حجة حرية التعبير عن الرأي فاستباحت كل مقدس وأهانت كل كرامة وكل من يعترض على ذلك يوصم  بالتطرف والانغلاق والتعصب والرجعية وإذا ما قام نفر من إتباع الديانات الشرقية بأي تصرف عنيف كردة فعل على القتل والتشريد والاهانات اتهم الشرق كله بالإرهاب .

وهنا لا بد ان نطرح أسئلة في رسم الإجابة :

هل الهليكوست أكثر قدسية من الأديان ؟ ألا يوجد في سجون الغرب من يمضي محكومياته في السجون لأنه اقترب من قدسية الهليكوست ؟ وهل قتل  الفلسطينيين على مدار مئة عام على مرأى ومسمع من العالم وبتوثيق كاميراته وصحفييه وقتل الصحفيين العرب والأجانب وكل الناشطين في حقوق الإنسان برصاص الجنود اليهود الممولين من الدول الغربية حضارة وتقدم وإذا ما حاول الفلسطينيون ممارسة حقهم في مقاومة الاحتلال كانوا إرهابيين يجب معاقبتهم ومطاردتهم ومحاصرتهم ؟ هل تدمير الدول وتمزيق مجتمعاتها ومصادرة مقدراتها حرية وتقدم وحضارة ؟ هل الإساءة الى الرموز الدينية والكتب المقدسة تعبير عن حرية الرأي ؟.

نعيد ونؤكد ان الإرهاب مرفوض جملة وتفصيلا ولكن بعد ان يحدد معنى هذا المصطلح الذي اكتوينا نحن في الأردن بنيرانه من أوائل من اكتوى به فدماء مليكنا المؤسس واثنين من رؤساء وزرائنا وعدد من دبلوماسيين وشهداء فنادقنا ما زالت ماثلة أمامنا تلعن الإرهاب والإرهابيين صباح مساء ومازال وحتى اللحظة جنودنا يواصلون الليل بالنهار لا يعرفون للراحة طعم ولا للنوم مذاق يحرسون حدودنا من الإرهابيين الذين أحاطوا بنا كما يحيط السوار بالمعصم .

وهنا لا بد ان نسأل كيف لرئيس وزراء إسرائيل الذي شهد العالم قبل بضعة أشهر المجزرة التي ارتكبها بحق شعب محاصر محتل حاول مقاومة الاحتلال فقتل أبناؤه ودمرت منازلهم على رؤوسهم وقصفت مستشفياتهم ومقرات الأمم المتحدة التي احتموا بها يشارك بمسيرة ضد الإرهاب ويقف في عاصمة النور والحرية عاصمة الثورة الفرنسية ويخاطب يهود أوروبا بان وطنهم (إسرائيل ) فلسطين وتدفن جثامين أربعة ممن قتلوا في الهجوم الذي تعرضت له المجلة الفرنسية في فلسطين وكرموا في حين نسي العالم ان من بين قتلى الهجوم على المجلة الفرنسية فرنسيين مسلمين .

بل ذهبت المكابرة والمعاندة بالمجلة الفرنسية بان أعادت نشر الرسوم المسيئة لرسول البشرية جمعاء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبأكثر من لغة وبملايين النسخ بعملية هي أشبه بغرس المخرز في العين وإذا ما تألم اتباع هذه الديانة واحتج بعضهم بأي طريقة ممكنة صبغوا بصبغة الإرهاب والهمجية والبربرية .

سوف نقلب معا بعض صفحات ديننا الحنيف لمعرفة موقفه من العنف والإرهاب والاعتداء على حياة الإنسان بغض النظر عن دينه ومذهبه ولونه ومشربه السياسي فهاتوا شهدائكم ان كنتم صادقين.

أليس الإسلام دين رحمة وتسامح وصان الحياة وحفظها وتوعد كل من يعتدي عليها بأي شكل من الأشكال ؟ قال الله تعالى::( ولا تقتلوا النَّفسَ الَّتي حرَّمَ الله إلاَّ بالحقِّ ومن قُتِلَ مظلوماً فقد جعلنا لوليِّه سُلطاناً فلا يُسْرِفْ في القتلِ إنَّه كان منصوراً( ان هذه الآية الكريمة وغيرها الكثير من الآيات التي تؤكد على قدسية الحياة وعدم جواز زهقها إلا بالحق وفق ضوابط معلومة محددة يقوم على تنفيذ وتطبيق هذه الضوابط ولي الأمر الذي هو الحاكم ( الدولة ) .

لقد أكدت تعاليم الإسلام وأخلاقه وأدبياته على قدسية الحياة وأهمية صيانتها ونهت عن كل ما يمكن ان يؤدي الى الإخلال بأمن الأفراد و المجتمعات واستقرارها حتى يعيش الناس بأمن وثبات بمعزل عن معتقدهم الديني ومشربهم السياسي في مجتمعات متماسكة متعاضدة يشد بعضها أزر بعض خاصة شريحة الشباب منهم الذين يكونون في هذه المرحلة العمرية طاقات كبيرة ان لم تجد طريقها السليم في التعبير عن ذاتها وهمشت وسرق مستقبلها وغابت عن هذه الشريحة العدالة الاجتماعية والإنصاف والحق في التعلم والعمل والعيش الكريم انحرفت الى طرق غير سليمة.

نعم نقر ان كثير من شباب عالمنا العربي والإسلامي ابتلي نتيجة لغياب العدالة الاجتماعية والحرية والمساواة وتدمير الدول وتمزيق المجتمعات كنتاج طبيعي للحروب التي شنتها الدول الأوروبية علينا بالفكر التكفيري والطائفي والمذهبي وتولى تفسير النصوص الدينية والإفتاء  فئة ضالة مضلة لا تعرف أصول الفقه والتفسير والإفتاء وبعضهم لا يحسن قراءة القران الكريم دون أخطاء فما البال بالتفسير واستنباط الأحكام الشرعية .

الم يؤكد الإسلام انه دين الحياة و السَّلام،واعتبر قتل النفس من الكبائر ويأتي بعد الشرك بالله سبحانه وتعالى، فالله عزَّ وجل هو واهب الحياة وليس لأحد أن يزهقها إلا بالحق و القاتل يُقتَل بالقصاص من قبل الحاكم المسؤول.

ان الإنسان لا يمكنه ان يعيش حياة سوية يحقق من خلالها غاياته وأهدافه إلا إذا تمتع بحقوقه كاملة وفي مقدمتها حق الحياة وحق المعتقد الديني و التملك وصيانة المال والعرض والعقل والحرِّية والمساواة و التعلُّم هذه الحقوق واجبة في الإسلام للإنسان بغض النظر عن دينه وجنسه ولونه وشريحته الاجتماعية مصداقا لقوله تعالى (ولقد كرَّمنا بني آدمَ وحملناهُم في البَرِّ والبحرِ ورزقناهُم من الطَّيِّباتِ وفضَّلناهُم على كثيرٍ ممَّن خلقْنا تفضيلاً} (17 الإسراء آية (70 ) وقال رسولنا الأعظم عليه السلام في خطبة حج الوداع ((أيُّها الناس! إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلَّغت؟ اللهمَّ فاشهد))متفق عليه ان رسول المحبة والسلام قال في هذه الخطبة ( أيها الناس ) ولم يقل أيها المسلمون مما يؤكد على ان الإسلام أكثر حرصا من غيره على احترام الحياة وصونها وحفظ أموال الناس وأعراضهم ومعتقداتهم .

وكل من يخالف هذه التعاليم التي حددتها الشريعة توعده الله بعذاب شديد بقوله تعالى : ( ِ ومن يَقْتُلْ مؤمناً متعمِّداً فجزاؤهُ جهنَّمُ خالداً فيها وغَضِبَ الله عليه ولعنَهُ وأعدَّ له عذاباً عظيماً} (4 النساء آية(93) ان حياة الفرد عند الله تعادل حياة الناس جميعا كما ورد في الآيات والأحاديث وروى الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبَّهم الله في النار)).

نعم ان الإرهاب هو كل عمل عنيف يقوم به فرد أو جماعة ضد أناس عزّل أبرياء لتحقيق أهداف خاصة .

وان الإرهاب والتطرف آفتان إذا ما أصابتا كلاهما أو أحداهما أي مجتمع تسببتا في إشاعة الفرقة والقتل والنهب والهوان للمجتمع والأفراد كما هو واقع الحال في كثير من مجتمعات العالم مما يحتم على عقلاء هذا العالم ان يبادروا اليوم و قبل الغد بتحصين المجتمعات كلها وخاصة فئة الشباب فيها من هذه الآفات، بالحوار وقبول الآخر واحترام مقدساته بعيدا عن الاستفزاز المماحكات تحت شعارات أثبتت الأحداث أنها بعيدة كل البعد عن بريقها الأخاذ .

إننا نعلق جرس الخطر من هذه الآفة الخطرة في انتظار من يقرعه من عقلاء هذا العالم ان بقي منهم بقية ؟ ونختم بالتأكيد على ان الإرهاب ليس حالة إسلامية يتفرد بها المسلمون بل آفة ابتليت بها كل شعوب الدنيا غير ان بعض الدول والمؤسسات ذات الميول والمشارب والتنظيم الصهيوني تسعى بكل جهد بان تصبغ الإسلام بصبغة الإرهاب لإبعاد الناس عنه وبناء سد منيع بين سعادة البشرية وحريتها وعدالتها الممثلة بالإسلام وعدالته وبين شعوب الأرض كافة .

ونختم بالقول رب ضارة نافعة فكل هذا الضجيج الذي يثار حول إرهاب الإسلام والمسلمين لا بد ان يثير تساؤلات الكثيرين في الغرب وفي أمريكا سواء كانوا من عوام الناس أو نخبهم مما يدفعهم للبحث والمعرفة عن هذا الدين الذي تثار حوله كل هذه الزوابع وبعد ان كسرت ثورة المعلومات وحرية الوصول إليها كل احتكار للمعلومة فلا بد ان يعرف الناس حقيقة هذا الدين وعدالته ووسطيته والظلم الذي وقع على أتباعه لا لذنب ارتكبوه غير أنهم عربا أو مسلمين أو عربا ومسلمين دينا وعربا ومسيحيين ومسلمين ثقافة .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد