المشتاقون للرّيّان

mainThumb

17-06-2015 02:14 PM

يا باغي الخير أقبل ، و يا باغي الشّر أقصر ، هذا النّداء النّبويّ و البشرى العظيمة لمن أراد أن يكون من عتقاء زينة الشّهور و أجملها شهر رمضان ، شهر تتوحّد فيه المشاعر و الشّعائر ، شهر يحسّ فيه المؤمن بجوع أخيه ، و يدرك معنى الحاجة ، شهر يحمل لنا الخير الكثير ، و له من الفضائل ما يستوجب الشّكر و الثّناء .
 
         شهر رمضان ، ضيف يكرمنا بزيارته ، فهو على عكس العادة ؛ فضيفنا هو الّذي يُحسن إلينا ، و يعطينا من فضل ما متّعه به الرّحمن من عطاء ، وسخاء ، و كرم ، ما أعظم رمضان ! و ما أبهاه ! 
 
        لشهر رمضان الكثير من الفضائل و منها : في هذا الشّهر أُنزل القرآن الكريم ، كلام الله تعالى ، و دستور الامّة ، و نبراسها ، و هاديها إلى الصّراط المستقيم ،  قال تعالى : " شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ  فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ".  و أيضًا فإنّ رمضان شهر المغفرة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من صام رمضان إيمانًا واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ". و كذلك فإنّ في رمضان ليلة هي خير من ألف شهر ،  قال تعالى : "  إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ( 5 ) " .
 
         و من فضائل هذا الشّهر أن جعل المولى عزّ و جلّ ثواب العمرة في رمضان تعدل حجة ، قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (عمرة في رمضان، تعدل حجة)  .
 
     و كذلك جعل الله عزّ و جلّ الصّيام من أدوات السّيطرة على الشّهوة و لجمها و هو جُنّة أي وقاية للمسلم من شهواته ، قال عليه السّلام : (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنّه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصّوم فإنّه له وجاء) . و قال عليه السّلام : (الصِّيامُ جنَّةٌ مِنَ النَّارِ كجُنَّةِ أحدِكُم مِنَ القتالِ ) . 
 
        و قد كرّم ربُّ العزّة الصّائم في كثير من الأمور و المواضع و من هذا التّكريم : أنّ الله عزّ و جلّ قد أفرد للصّائمين بابًا يدخلون منه إلى الجنّة ، قال الرّسول عليه الصّلاة و السّلام : " إنّ في الجنة بابًا يُقال له الرّيان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم يُقال أين الصائمون فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد " . و كذلك فقد خصّ الله تعالى نفسه بعبادة الصّيام ؛ ممّا يدلّ على المكانة العظيمة لها ، و كذلك أنْ جعل الله عزّ و جلّ الصّائم مترفّعًا عن السّباب و الشّتم ؛ فهو أرفع من ذلك ، و من التّكريم أيضًا أنّ رائحة خلوف فم الصّائم أفضل عند  الله من رائحة المسك ، و الصّيام مقترن بالفرح فالصّائم حين يفطر يفرح و عندما يلقى الله يفرح ، و هي الفرحة المنشودة .  يقول الله عزّ وجلّ فيما يرويه عنه رسوله صلّى الله عليه وسلّم في الحديث القدسيّ :
 
(( عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ)) .
 
       و من تكريم الخالق عزّ في عُلاه أنْ جعل الصّيام شفاعة للعبد ، و ما أحوجنا لهذه الشّفاعة يوم القيامة يوم لا ينفع مال و لا بنون ، قال الرّسول عليه السّلام :  (الصِّيامُ و القرآنُ يَشْفَعَانِ للعبدِ يومَ القيامةِ ، يقولُ : الصِّيامُ : أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ و الشهوةَ ، فشفعْني فيهِ ، و يقولُ القرآنُ : مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِالليلِ ، فَشَفِّعْنِي فيهِ ، قال : فيشفعانِ).
 
          نحن ربّانيون لا رمضانيون ؛ فالأصل ألّا تقتصر عباداتنا و طاعاتنا على شهر رمضان فقط  ، و إنْ  تعاظمت في هذا الشّهر الفضيل ؛ و لذلك فهناك الكثير من الأعمال الّتي نقوم بها في رمضان ، و لابدّ أن تستمرّ في جميع شهور السّنة ، و من هذه الأعمال الحسنة : صلوات  النّوافل ، و الدّعاء و قيام اللّيل ، و امتلاء المساجد ، و خاصة في العشر الأواخر ، و كذلك تكثر في رمضان تلاوة القرآن الكريم مع التّدبّر ، و يحرص الكثيرون على تأدية العمرة في هذا الشّهر الفضيل ، و أيضًا تكثر الصّدقة و إطعام الفقراء ، و هنا أذكركم بصدقة الفطر الواجبة ،  قال تعالى : (( إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ )) . و كذلك نجد السّبل قد تفتحت لصلة الأرحام  بكثرة في شهر الخير و المحبّة  .
        أمّا العادات و الأعمال السّيئة ، و الّتي اقترنت زورًا و بهتانًا برمضان فلا بدّ أن نتركها ، و نعدل عنها و يجب أن ندعو غيرنا لتركها و من هذه العادات : الإسراف في الشّراء و خاصة شراء الطّعام و الشّراب . قال تعالى : ﴿( إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً )﴾، و قال تعالى : (﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا )﴾ ، و من الأمور الضّارة في رمضان ملء البطون بالطّعام و الشّراب بشراهة قال النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام : (ما ملأ آدمي وعاء شرّا من بطن بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه ) .
 
          أمّا المصيبة العظمى و الّتي غزت معظم البيوت ، و أصبح الكثير ينتظر رمضان من أجلها و ليس من أجل العبادة و التّقرّب  لله تعالى ، ألا و هي متابعة المسلسلات و البرامج الملهية عن ذكر الله ، مسلسلات تتاجر بالأعراض ، و تبثّ الشّهوة و الفتنة ؛ فهذه القنوات الماجنة علينا واجب مقاطعتها  ، و هنا نذكِّر النّساء أنّ برامج الطّبخ ، و كما و صفها أحدهم لصّ تمنحه المرأة الكثير من وقتها ، و أزيد و أقول إنّها تدسّ السّمّ في الدّسم . و أصبح لدينا في عصر التّكنولوجيا وسائل أخرى للتّواصل الاجتماعيّ ، مثل الفيس بوك  ، وهي  ذات حدّين : نافع ، و آخر ضارّ ، و للأسف أنّ الكثيرين يستخدمونها بغرض التّسلية ، و قتل الوقت ، و قد نابت لدى نسبة لا يُستهان بها من المجتمع عن التّواصل الحقيقي ، و واجب صلة الرحم ؛ فأصبحت وسائل للقطع الاجتماعيّ ، و كذلك إنْ كانت متابعتها من غير فائدة ، و فيها مضيعة للوقت ؛ فلا بدّ من ترك ما هو غير مفيد فيها ، و الانجذاب لما هو نافع ؛ كي لا تبعدنا عن واجباتنا الدّينيّة ، و من العادات السّيئة في هذا الشّهر الفضيل الهروب إلى النّوم من الصّوم ، و هذا يضيّع الوقت ، و في كثير من الأحيان يضيّع صلاة الجماعة ، بل و يُذهب لذّة ، و فرحة الصّيام . و من الأمور المزعجة في رمضان الغضب السّريع لأتفه الأسباب.
 
        و من باب الأخوة الإيمانيّة لابدّ من نصائح نوجهها لكم أيّها المشتاقون الرّبانيون في هذا الشّهر الفضيل ، أقول لكلّ واحد منكم : عدّلْ سلوكك ، دعْ قول الزّور ، أَعِدْ الحقوق لأصحابها ، و اطلبْ السّماح من الآخرين ، و اعفُ عمّن أساء إليك ، و إياك و الظّلم ، نظّــم وقـتك ، و استثمره ؛ فهـو ثمــين ، وستحاسب عليه ، و أُسدي لك أخي نصيحة غالية ألّا تغضب ؛ فالغضب جامع للشّرّ فاضح للسّرّ ، الغضب شوكٌ يُدمي اليدين ، و يجرح الفؤاد عاقبته النّدم ، و الخسران ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أنّ رجلًا قال للنّبي صلّى الله عليه وسلّم : " أوصني " ، قال :    ( لا تغضب ) ، فردّد ، قال : ( لا تغضب ) .
 
       أبناء الإسلام ، أهل القرآن و القيام ، الصّابرين الصّوّام ، واصِلي الأرحام  أكثروا  من الحسنات و اجتهدوا في رمضان ؛ فلا تدرون لعلكم لا تدركون رمضان القادم . أسأل الله لي و لكم الهداية ، والثّبات إنّه وليّ ذلك والقادر عليه، والحمد لله ربّ العالمين . 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد