الحلم الكبير

mainThumb

09-03-2016 11:00 AM

ما كنا لنجتمع لولا أن جمعتنا الصدفة ، والصدفة وحدها .. كان كلّ منّا قد ‏نسي الآخر أو تناساه .. جمعتنا أيام الدراسة ، وفرّقتنا أيام السعي وراء ‏الرزق .. ولأن دنيانا صغيرة جدا التقينا ثانية في أحد المتنزهات . وكان ‏أول ما فعلناه أن عدنا للماضي .. تحدث كلانا عنه بحرارة وحين أخذنا ‏نتحدث عن حاضرنا غلب على حديثنا الملل والفتور والمرارة, قلت له :‏
كانت أحلامك واسعة لدرجة أننا كنا نتندر بها .‏
 
أومأ برأسه وقال ببرود : أجل ولكن أحلام المراهقة شيء وأحلامي الآن ‏، أقصد حلمي الكبير الآن ، شيء آخر .. أحلام المراهقة تلك ذهبت مع ‏الرياح وأخشى على حلمي الكبير الآن أن يذهب مع الرياح أيضا..قلت : ‏يأس إذن ؟ أجاب بهدوء : أصغ إلى حلمي أوّلا ، ثم حكّم عقلك أو ‏عاطفتك فالأمر لديّ سيّان.. وأخذ يتحدّث عن حلمه .. أصغيت إليه بادىء ‏ذي بدء بكل جوارحي ثم شرد بي التفكير بعيدا .. كان يتحدث عن القيم ‏والأخلاق وكيف أن الحيوانات الكاسرة لا تعتدي على بعضها البعض إلا ‏إذا جاعت في حين أن الأنسان يعتدي بمناسبة وبدون مناسبة ثم أخذ ‏يتحدث عن الحقد الذي يملأ قلب الإنسان تجاه أخيه الإنسان حتى أنه لم ‏يترك نعتا قبيحا إلاّ وألصقه به .. وكنت في كل مرة أشرد فيها بتفكيري ‏يوقظني بقوله :‏
 
أنت معي .. أليس كذلك ؟ فأهز رأسي ويتابع حديثه .. تحدث عن جميع ‏الحروب المدمرة التي مرت بالبشرية وكيف أن الإنسان هو الذي صنعها ‏وليست الحيوانات بالطبع .. تحدث عن الدسائس والمكائد وجميع ما في ‏قواميس اللغة من ألفاظ مرادفة وعزاها إلى الإنسان فهو صانعها ‏ومدبرها ومنفذها ضد أخيه الإنسان .. وفي نهاية حديثه الحلم تحدث عن ‏إنسان مبرأ من الكره والحقد والجشع والنميمة والغضب والحسد بحيث ‏تسود المحبة ربوع هذا العالم ويرفرف الوئام على كل شبر فيه .. ويبدو ‏أنه لكزني بمرفقه هذه المرة لأصحو من شرودي على صوته يقول : هل ‏يتحقق حلمي الكبير هذا يا صديقي أم ترى أختصر الطريق ؟؟ أجبته ‏بشرود : أفضل لك أن تختصر الطريق وأن تقبل الحال على علاته ففي ‏هذا راحة لك ولضميرك ولمن حولك .. وكنت أنوي الإسترسال في ‏الحديث لولا أنه قاطعني بوقوفه المباغت .. مد يده بقوة .. صافحني كما ‏لو كان يؤدي واجبا وتمنى أن نلتقي ثانية ..وأدار ظهره ومضى لحال ‏سبيله .. آلمني ذلك أشدّ الألم ذلك لأن حلمه كان مستحيلا ..لو أنه فقط ‏حاول أن يهذب الإنسان ويغرس فيه قيم وأخلاق أصحاب الرسالات ‏السماوية لتغيرت نظرته السوداوية تلك .. ولهذا كان ألمي مضاعفا لأنني ‏خذلته .‏
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد