السياب والمرض والحلم المنهار

mainThumb

05-04-2016 08:25 PM

حين يطرح المرض شاعرا تنهال عليه الذكريات وتكثر الأماني ويزداد ‏في صدره اللجب والصخب والسأم ناهيك عن القلق وعدم الرضا .. وهذا ‏ما حدث لبدر شاكر السياب فترى شعره مزيجا من كل ما ذكرت ..‏
وحين يأتي ذكر الشعراء والمرض يقفز إلى ذهني بدون وعي أو بوعي ‏الشاعر السياب وأمل دنقل وكلما ذكرت بدر شاكر السياب قفز إلى ‏مخيلتي ديوانه ( شناشيل ابنة الجلبي ). ولست أناقش هنا إعجابه الزائد ‏والمفرط ب (ت.س.إليوت ) ولا بمصادر شعره فقد تحدث فيه الكثيرون ‏من الأدباء والنقاد . ولكن لأتصفح ديوانه الآنف الذكر لأتعرف إلى بعض ‏أحلام السياب التي لم تتحقق بالطبع :‏
 
ثلاثون انقضت ، وكبرت ، كم حبّ وكم وجد توهج في فؤادي
 
غير أني كلما صفقت يدا الرعد مددت الطرف أرقب ، ربما ائتلق ‏الشناشيلُ فأبصرت ابنة الجلبي مقبلة إلى وعدي ولم أرها ، هواء كل ‏أشواقي ، أباطيل ونبت دونما ثمر ولا ورد.‏
وفي قصيدة أخرى ينعي ضياع أحلامه ويقول :‏
 
إرمْ في خاطري من ذكرها ألمْ ، حلم صباي ضاع .. آه ضاع حين تمْ ‏وعمري انقضى .‏
 
وحين يستنجد صائحا أحبيني يقول :‏
 
وما من عادتي نكران ماضي الذي كانا ، ولكن كل من أحببت قبلك ما ‏أحبوني ولا عطفوا عليّ .‏
 
وحين يتحدث عن قريته ( جيكور )يقول في نهاية القصيدة راثيا أيامه ‏وصباه :‏
 
ما أقسى الوداع !! آه ..لكن الصبا ولى وضاع الصبا والزمان لن يرجعا ‏بعدُ فقري يا ذكريات ونامي .‏
 
وحين تؤرقه ذكرياته وآلامه وأمانيه المنهارة يقول :‏
 
يا رب لو جدت على عبدك بالرقاد لعله ينسى من عمره آلاما .. لعله يحلم ‏أن يسير دونما عصا ولا عماد .. ويزرع الدروب في السحر .. حتى تلوح ‏غابة النخيل .. تنوء بالثمر .. يأكل أو يجمع الزهر .. حتى إذا ما انطلقا ‏‏..وراح يطوي الطرقا .. أحسّ أو ذكرْ بأنه بلا عصا سار وما شعرْ يا رب ‏لو جدت على عبدك بالرقاد ..لأنه يذكره السهر .. بأنه أقل من بشر ْ.‏
هكذا بلغت به الحال .. ومع هذا فلا يزال يشده خيط أمل رفيع وهو يعالج ‏في لندن بأهله يقول وقد استبد به الحنين :‏
 
ولكني أحنّ .. فهل أعود غدا إلى أهلي ؟
 
نعم سأعود .. أرجع لا إليها بل إلى غيلان وغيلان ولده والضمير في ‏إليها عائد إلى زوجته التي أصرت على رجوعه إلى بلده قبل أن يتماثل ‏للشفاء مما أغضب السياب ولكن الشاعر المريض ينسى في لحظة من ‏لحظات الشقاء آماله وأمانيه بالشفاء فيطلب الموت لنفسه يقول:‏
 
ويا ليتني متّ . إن السعيد من اطّرح العبء عن ظهره .. وسار إلى قبره ‏،ليولد في موته من جديد.‏
 
ولكن للسياب أمنية قبل أن يموت يقول في قصيدة له :‏
 
لأكتب قبل موتي أو جنوني أو ضمور يدي من الأعياء خوالج كل نفسي ، ‏ذكرياتي ، كل أحلامي وأوهامي وأسفح نفسي الثكلى على الورقِِ ، ‏ليقرأها شقي بعد أعوام وأعوام .. ليعلم أن أشقى منه عاش بهذه الدنيا .‏
ويودع في نهاية القصيدة أصحابه وأحباءه :‏
 
إذا ماشئتموا أن تذكروني فاذكروني ذات قمراء وإلا فهو محض اسم تبدد ‏بين أسماء .. وداعا يا أحبائي ..‏
 
وهكذا يودع آماله وأحلامه وأصحابه وأحباءه كما لو كان يشعر بدنو ‏أجله ولا ينسى أن يودع زوجته بأرق العبارات قائلا :‏
 
أحبيني إذا أدرجت في كفني .. أحبيني
 
ستبقى حين يبلى كل وجهي .. كل أضلاعي قصائد كنت أكتبها لأجلك في ‏دواويني .. أحبيها تحبيني . وقضى الشاعر السياب ولكن الذي ليس ‏ينقضي هذا الخيط من المرارة الذي يحسه ويشعر به كل من يقرأ له وكل ‏من يكتب عنه كما أحسُ به وأشعرُ الآن .‏


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد